Site icon IMLebanon

الراعي والشغور الثاني: خيبة وغضب من المعطّلين

 

 

تبدو بكركي من أكثر المواقع التي يشغل بالها الفراغ في الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية لأن الفاتورة ستكون باهظة على البلاد والعباد، علماً أنّ البطريركية تتعاطى بالكثير من الحرص والدقة في هذا الملف ولهذا ابتعدت عن لعبة الأسماء ومحرقتها، وحاذرت وضع «فيتو» على أي اسم مرشّح.

 

كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أول من قرأ آفاق المرحلة بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، لذلك بدأ سلسلة تحذيراته من مغبة الفراغ الرئاسي منذ حزيران الماضي داعياً النواب المنتخبين حديثاً إلى ممارسة حقهم وواجبهم بانتخاب رئيس جديد للبلاد.

 

ويُخيّم الحزن اليوم على الصرح البطريركي، لأنه يعتبر أن قسماً من النواب لا يمارس دوره بموجب الوكالة التي منحها له الشعب، وقد بات مشهد الفراغ أكثر من مؤكّد. ولهذا ينكبّ سيّد الصرح على متابعة الشأن الرئاسي بكثير من العناية.

 

وفي المعلومات أن البطريرك الراعي كثّف إتصالاته مع القيادات المسيحية أولاً، ومع بقية الأفرقاء ثانياً، من أجل حثّها على إنجاز الإستحقاق الرئاسي وعدم ترك البلاد رهينة الفراغ، لكن لا مؤشرات جديّة توحي بأن أمراً ما قد يحصل ويؤدي إلى انتخاب رئيس في القريب العاجل، أو أقلّه في الأسبوع الأول من عمر الشغور الرئاسي.

 

ويُبدي الراعي إمتعاضه من لعبة تعطيل النصاب، ويُحمّل مسؤولية ما قدّ يحل بالبلاد جرّاء الفراغ القادم، للنواب المعطّلين وعلى رأسهم النواب المسيحيون، في حين أنّ التعطيل لفرض الشروط قد يؤدّي إلى مزيد من الإستنزاف.

 

وعلى رغم عدم الردّ على دعوات الراعي المتكررة من قبل بعض النواب المسيحيين، إلا أنه سيكون للبطريرك موقف عالي النبرة في عظة الأحد وقبل وقوع الشغور الرئاسي وبعده، لعلّ هذه المواقف تحرّك المياه الراكدة.

 

وتتجمّع المعطيات السلبية، سواء أكانت الإقليمية أم الداخلية لتنذر بالفراغ المقبل، فحسب بكركي لم تصل كلمة سر خارجية، وإلّا لكان المعطّلون مشوا بها من دون تردّد مثلما كان يحصل سابقاً.

 

عايش البطريرك الراعي أول فراغ رئاسي خلال سدّته البطريركية في أيار 2014، يومها كان رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون محصّناً بوعد رئاسي من «حزب الله»، وتجمّعت المعطيات الداخلية والخارجية التي ساهمت بانتخابه رئيساً بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ.

 

وكان الراعي بدأ نشاطه الرئاسي في العام 2013 من خلال جمع الأقطاب الموارنة الأربعة، وقد حصر الترشيح بهم، وقطع هؤلاء وعداً بعدم الذهاب إلى لعبة تعطيل النصاب، لكنّ كلاً من عون ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لم يحترما الوعد الذي قطعاه في بكركي. لكنّ ظروف 2013 و2014 تبدّلت، ولم تعد هي نفسها قائمة اليوم.

 

ومن أهم الأسباب التي جعلت الراعي يُحجم عن القيام بهذه الخطوة، إعتباره أن الإستحقاق يجب أن يأخذ البُعد الوطني وأن تجربة جمع القادة الموارنة فشلت، وأن المجلس النيابي منتخب حديثاً لذلك سيقوم بدوره الإنتخابي، في حين أن إنتفاضة 17 تشرين قلبت المعطيات، لذلك يظنّ أن الكتل لن تتصرف مثلما تصرّفت مع استحقاق 2014 الرئاسي.

 

لكن كل تلك المتغيرات لن تبدّل تصرفات قوى 8 آذار و»التيار الوطني الحرّ» في ظل عدم وجود إهتمام إقليمي ودولي بالوضع اللبناني، لذلك فإن بكركي التي كانت تنصح بعدم الوصول إلى الفراغ ترى البلاد عالقة في أزمتها السياسية والتي قد تتفاعل.

 

ولم يمنع الإنهيار الذي يعيشه لبنان من تجرّع كأس الفراغ المرّ مرّة جديدة، لذلك فإن خيبة الأمل تطغى على بكركي وسط استغراب مدى الإستخفاف بالإستحقاقات الدستورية التي يجب أن تُحترم.

 

لا شكّ أنّ حركة الراعي لن تقتصر فقط على الإتصال بالقوى الداخلية، بل سيوسّع بيكارها من خلال تواصله مع السفراء الفاعلين في الملف اللبناني، لكن بكركي تلقي عتبها بالدرجة الأولى على رؤساء الكتل لأن القرار بيدهم، وسط غياب أجواء دولية توحي بأنّ هناك رغبة في التعطيل، في حين أنّ خيار الذهاب إلى البرلمان لإتمام الإنتخابات لا ينتظر قرار السفارات بل يجب أن يكون قراراً لبنانياً نابعاً من متطلبات البلاد، بحسب بكركي.