Site icon IMLebanon

الراعي “الصادح”… “كل من يناصر الدويلة ويخون الدولة سينهزم”

 

يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خرقه كلّ السقوف، واضعاً الإصبع على الجرح وعلى النزيف الحقيقي الذي يستنزف الوطن.

 

عندما أطلق البطريرك الراعي دعوته الشهيرة للحياد في تموز الماضي ظنّ الجميع أن هذا الموقف عابر ومن دون أفق وأنه نداء عرضي في معرض توصيف ما يمرّ به الوطن، لكن تدرّج المواقف وصولاً إلى إطلاقه مذكّرة الحياد أثبت أن البطريرك لا يناور أو يطلق المواقف العابرة، فحسب مصادرها فإن “بكركي قالت كلمة حق والكل أيدوها”.

 

واللافت أيضاً أن الراعي تخطى بمواقفه أفرقاء 14 آذار والمعارضة في توصيف عمق المشكلة، لا بل شكّل البوصلة للإتجاه الوطني العام، فهو الذي تحدّث عن الدويلة التي تأكل الدولة ووجوب فك أسر الشرعية، وعن ضرب “حزب الله” بتصرفاته علاقات لبنان مع العالم العربي والغرب وأخذه إلى محور لا يريده، وحشره في المحور الإيراني وقطع علاقاته مع العالم، ومن ثمّ تحدث في مذكرة الحياد عن أن “الحزب” يُشكّل أحد أبرز أوجه خرق الحياد لأنه يحمل المشروع الإيراني بكل تفاصيله، كما أنه الميليشيا الوحيدة التي لا تزال تحمل السلاح بعد “إتفاق الطائف”، لكن الأبرز كان في عظة الأحد الأخيرة عندما طالب الدولة بدهم مخازن الأسلحة غير الشرعية الموجودة بين منازل المدنيين، في إشارة واضحة إلى “حزب الله” الذي يخزّن السلاح الإيراني بين المدنيين ليستخدمه في حروبه المتنقلة.

 

يستشهد الراعي في جلساته بعبارة شهيرة كان يردّدها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير وهي أن “العربة لا تسير بحصانين، واحد يشدّها إلى الأمام والآخر إلى الخلف”، وهنا يقصد الراعي أن لبنان الوطن لا يمكنه أن يكمل مسيرته على الشكل الذي يسير عليه حالياً، حيث أن معظم اللبنانيين يناضلون ويكافحون من أجل بناء دولة تُحقّق طموحاتهم، في حين أن هناك “حزب الله” الذي يعمل لإستكمال بناء دويلته الخاصة ويقضي على الدولة، محاولاً فرض أفكاره وإيديولوجيته المستوردة من إيران على الشعب اللبناني ويجرّهم إلى حروب وسياسات لا يريدونها، وبالتالي فإن المعادلة باتت واضحة عند سيّد الصرح: “إما مع الدولة أو مع الدويلة”.

 

ولا يرى الراعي أي أمل بحل الأزمة اللبنانية، على بُعد أيام من الإحتفال بالمئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، إلا بالعودة إلى منطق الدولة وتسليم كل السلاح غير الشرعي سواء كان مع “حزب الله” أو مع المنظمات الفلسطينية، وبسط سلطة الجيش على كامل الأراضي اللبنانية وإقرار مبدأ الحياد، والعمل على تحصين الوحدة الداخلية وتحييد البلد عن صراعات المحاور، لأن لبنان ليس منصة لإطلاق الصواريخ الإيرانية أو صندوق بريد لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، لذلك فإن الكنيسة تؤكد أن كل من يخون منطق الدولة القوية ويناصر الدويلة سينهزم.

 

وعلى رغم أن التفاؤل يجب أن يحضر دائماً، إلا أن بكركي تُبدي أسفها للإنحطاط الذي وصلت إليه الطبقة السياسية، فهي تغطّي في جزء كبير منها الدويلة، وفي جزء آخر تواصل فسادها وتتصرّف وكأن ليس هناك إنهيار إقتصادي حاصل أو إنفجار دمّر المرفأ وأجزاء من العاصمة وحصد أرواح الأبرياء، وكل همّهم تقاسم الحصص والإستمرار بالسرقة والمحاصصة والفساد.

 

وأمام كل هذه المواقف المتقدمة للبطريرك، فإن كل الأجواء التي تروّج عن إمكان فرملة “حزب الله” لإندفاعة الراعي لا أساس لها من الصحة حتى لو تمّ لقاء بين الطرفين، لأن الهوة تتسع كثيراً و”الحزب” يرفض منطق الحياد بالمطلق ولا يريد أن يتخلّى عن سلاحه، خصوصاً وأن لهذا السلاح وظيفة إقليمية ومرتبط بإيران مباشرة وقراره ليس موجوداً في حارة حريك.

 

لكن من جهة ثانية، بدأ الغطاء على هذا السلاح يضيق مع الإنهيارات المتتالية في صفوف العهد وبدء سقوط الغطاء المسيحي نتيجة تراجع شعبية “التيار الوطني الحر”، في حين أن موقف الراعي يأخذ مداه مسيحياً ووطنياً وإقليمياً ودولياً.