للمرة الاولى يبدو البطريرك الماروني بشارة الراعي متفائلاً قليلاً، خلال إلقائه عظة الاحد من بكركي، وهو الذي يطلق العنان لعظاته، فيتنقل من الدين الى السياسة، ويوجّه اللوم الى السياسيين والدعوات المتكرّرة بالاسراع الى انتخاب رئيس، وسط معلومات عن انّ الاسبوع المقبل سيكون مفصلياً، ضمن إطار الاستحقاق الرئاسي الذي يعلو التفاؤل بشأنه كل فترة، ثم يعود ليهبط الى سابع ارض، وكأنّ المفاوضات عادت الى المربع الاول. لذا يطغى الخوف من الرجوع الى ذلك المشهد، فيما تبقى هواجس سيّد بكركي قائمة انطلاقاً من استشعاره الخوف على لبنان واللبنانييّن جميعاً، من دون أي تفرقة طائفية، مكرّراً يومياً ضرورة ان يعي المسؤولون خطورة الاوضاع والانزلاقات، التي تسود البلد وشعبه يومياً، ومع التشديد على ضرورة تضامن كل المسؤولين وتناسي تناحراتهم وخلافاتهم لان لبنان يُحتضر.
وفي عظة امس الاحد، ابدى البطريرك الماروني بعض التفاؤل للمرة قائلاً: “نود ان نشكر الله بشأن ما نسمع عن توافق على شخصية الرئيس، بشكل لا يشكل تحدياً لأحد، ويكون في الوقت عينه متمتعاً بشخصيّة تتجاوب وحاجات لبنان اليوم، وتوحي بالثقة الداخلية والخارجية، ونأمل ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، كي تنتظم المؤسسات الدستورية، وتعود الى العمل بشكل طبيعي وسليم وفعّال”.
بصيص الامل الذي افتتح به الراعي عظته، اعطى املاً لجزء كبير من اللبنانيين ببداية فتح النفق المقفل، لكن الهواجس تبقى سائدة على الرغم مما نقل عن توافق بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية ” والمعارضة على اسم الوزير السابق جهاد ازعور المرشح الى الرئاسة، فيما لم يغب القلق المتبادل ولو من تحت الطاولة وبعيداً عن الكاميرات، خصوصاً من رئيس “التيار” جبران باسيل، بحسب مصادر المعارضة، الذي يراهن عليه الفريق الآخر من ناحية تبديل رأيه في الساعات القليلة، التي تسبق جلسة الانتخاب في حال جرت الدعوة اليها، خصوصاً انّ خلافاً يدور في ارجاء “التيار” حول اسم جهاد أزعور، كما تقول المصادر نفسها ، حيث يسجّل استياء من تأييده من قبل بعض نواب تكتل” لبنان القوي”، بسبب رفضهم للسياسة المالية التي وضعها خلال توليه وزارة المال سابقاً، وعلاقته مع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي لا يستهضمه البرتقاليون، وهو بدوره لا يستهضمهم، إضافة الى رفض ازعور من قبل “الثنائي الشيعي”، بالتزامن مع رغبة بعض نواب ومسؤولي “التيار” بإبقاء شعرة معاوية مع حزب الله، وعدم كسر الجرّة السياسية معه.
وفي السياق، ينشط رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ فترة، على خط الكتل النيابية الصغيرة، بحيث يجري الاتصالات والمفاوضات لكسبها رئاسياً، من ناحية تأييدها لوصول رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الى القصر الجمهوري، وافيد في هذا الاطار عن اتصالات تجري بعيداً عن الاعلام، وسط معلومات عن تلقي بري وعوداً إيجابية من تلك الكتل، مما يعني ان التفاؤل ما زال بعيد الامد او على الاقل متأرجحاً، إلا في حال حصلت مفاجآت كما يرى البعض.
الى ذلك، وضمن الحراك السياسي المنتظر مع مطلع الاسبوع الجاري، يتوجه البطريرك الماروني اليوم الاثنين الى الفاتيكان، لطلب المساعدة في حل أزمة الاستحقاق الرئاسي، وينتقل بعدها الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يوم الثلاثاء، حاملاً معه الملف الرئاسي وشؤونه وشجونه، بعد التوافق مع الكتل المسيحية البارزة على اسم مرشح، كما سيطلب مساعدة فرنسا في حل قضية النازحين السوريين، وضرورة عودتهم الى ديارهم بعد الخوف من توطين مبطّن، إضافة الى المساعدة في معالجة الوضع المالي المتدهور في لبنان.
وانطلاقاً من هنا، ثمة مراقبون يعتبرون أنّ زيارة الراعي الى الفاتيكان قبل فرنسا، لها معالمها وحيثياتها لانها وجدت فجأة، ولم تكن على لائحة نشاط الراعي، لذا ستحمل بالتأكيد رسائل الى باريس، لضبط وضع الرئاسة والمضي بما يرضي سيّد بكركي والمسيحيين في هذا الاطار.