IMLebanon

كلام البطريرك الذي يزعج «حزب اللّه»  

 

في ظلّ الفراغ السياسي الذي يغرق فيه لبنان، بدأت تظهر تغييرات كبيرة على الخريطة السياسية للبلد. في أساس هذه التغييرات كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي بدأ يثير انزعاجا شديدا لدى «حزب الله». لا يناسب الحزب سوى زيادة رقعة الفراغ وتعميقه اكثر كونه المستفيد الاوّل منه.

 

يعود ذلك الى انّ الفراغ هو اكثر ما يخدم «حزب الله» الذي جعل من لبنان بلدا يموت موتا سعيدا وهانئا وسريعا، لولا بعض العذاب، في ظلّ شعارات فارغة من نوع الصلاة في القدس قريبا. عمليا، يموت لبنان سياسيا واقتصاديا وحضاريا وثقافيا في العهد الذي بدأ يوم الواحد والثلاثين من تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 يوم انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية.

 

بدأت تظهر تغييرات كبيرة على الخريطة السياسية اللبنانية بعدما عادت الكنيسة المارونية الى ممارسة دورها، اقلّه من اجل ملء الفراغ القائم وتقديم منطق ذي حجج قويّة متماسكة في خدمة لبنان. يواجه منطق البطريرك الماروني منطق «حزب الله» الذي لا هدف واضحا له سوى تحويل لبنان ورقة في خدمة السياسة الإيرانية بغض النظرّ عمّا يحل بالمواطن اللبناني العادي ومستقبل اولاده.

 

لا يمرّ أسبوع، منذ مطلع تمّوز – يوليو الماضي، الّا ويصدر كلام كبير عن البطريرك بشارة الراعي. تكمن اهمّية هذا الكلام، الذي أساسه فكرة «حياد» البلد، في انّه تحوّل كلام الأكثرية الساحقة للمسيحيين في لبنان، إضافة الى انه كلام أكثرية اهل السنّة والدروز، فضلا عن قسم لا بأس به من الشيعة، طبعا.

 

بدأ كلام البطريرك الماروني يزعج «حزب الله». ظهر ذلك بوضوح من خلال الحملات التي باشرت وسائل الاعلام التابعة للحزب تشنّها على بشارة الراعي. كما العادة، لا يجد «حزب لله» ما يدافع به عن نفسه سوى اتهام البطريرك الماروني بانّه يسير في الخطّ الإسرائيلي. هذه تهمة سهلة من النوع الذي اكل عليه الدرب وشرب، لكنّها تعكس مدى ضعف «حزب الله» في مواجهة المنطق الذي يتحدّث به رأس الكنيسة المارونية في لبنان.

 

ذهب البطريرك الراعي الى الردّ على الحزب. ليس لدى بشارة الراعي ما يخجل به، خصوصا بعدما ثبت ان كلّ كلمة يقولها، انّما هي كلمة المسيحيين والمسلمين الذين يرفضون ان يكون لبنان بلدا تابعا ومخازن أسلحة ومتفجرات. اكثر من ذلك، يتجرّأ البطريرك على الذهاب الى حيث لا يتجرّأ الذهاب كبار المسؤولين اللبنانيين، في مقدّمهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المستقيل حسّان دياب. يتجرّأ على الاختلاط بالناس وتفقد احوالهم في الاحياء البيروتية المنكوبة منذ تفجير ميناء العاصمة في الرابع من آب – أغسطس الجاري. يتجرّأ على القول من حيّ الجمّيزة: «لم نتعوّد على أن نكون عملاء لأحد، بل البطريركية تقول الحقيقة البيضاء الواضحة ولسنا مرتبطين بأي أحد في الداخل والخارج وخلاص اللبنانيين الوحيد هو لبنان الحياد». يتساءل: «هل يختلف إثنان على انّ السلاح متفلت في لبنان؟ الحلّ أن نقول للدولة: لمّي الأسلحة. لا يوجد سيادة للدولة في لبنان وكل حزب يفتح دولة على حسابه، هذه ليست دولة بل دويلات ودويلات هل سنكمل بهذا الإنتحار؟». لم يسمّ البطريرك «حزب الله» بالاسم، لكنّ كل لبناني يعرف انّ لا حزب مسلّحا آخر في لبنان غير «حزب الله» ولا مخازن سلاح ومتفجرات في لبنان غير لدى «حزب الله».

 

هذا كلام لا مواربة فيه يصدر عن البطريرك قبل ايّام قليلة من عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت ليكون حاضرا في ذكرى مئوية «لبنان الكبير»، أي لبنان بحدوده الحالية الذي اعلن عن قيامه في اوّل أيلول – سبتمبر 1920. ليس لبنان الكبير سوى ثمرة تفاهم بين سلطات الانتداب الفرنسية التي كانت تسيطر على سوريا ولبنان من جهة والبطريرك الماروني، وقتذاك، الياس الحويّك من جهة أخرى. رفض البطريرك الحويّك ان تقتصر خريطة لبنان على  منطقة جبل لبنان.

 

في غياب قدرة «عهد حزب الله»، على رأسه ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس «التيّار الوطني الحر»، على تشكيل حكومة لبنانية جامعة، كما طالب ماكرون الذي زار بيروت مباشرة بعد كارثة تفجير الميناء، لم يعد يوجد غير منطق واحد في لبنان. هذا المنطق هو منطق البطريرك. تكمن اهمّية هذا المنطق في انّه نزع الغطاء المسيحي عن سلاح «حزب الله». هناك تراجع قويّ لميشال عون وجبران باسيل في الشارع المسيحي. يعود ذلك الى ان المسيحيين بدأوا يكتشفون ما هو «حزب الله» وما الثمن الذي عليهم دفعه في حال استمرّوا في توفير غطاء لهذا السلاح، وهو ما يفعله ميشال عون منذ العام 2006 بغية الوصول الى موقع رئيس الجمهورية.

 

أخيرا، بات للدولة اللبنانية منطق. مثل هذا المنطق الذي يمكن تسويقه داخليا وعربيا ودوليا يلتقي مع مصلحة لبنان واللبنانيين. الأكيد ان هذا المنطق لا يتفق مع منطق «حزب الله» الذي يمتلك اجندة خاصة به منذ اعلن عن تأسيسه. لعلّ اكثر ما يزعج «حزب الله» كون هذا المنطق متكامل. زاد هذا المنطق تماسكا، خصوصا بعد الضربة التي تلقتها بيروت قبل اقلّ من شهر. سيكتشف الرئيس الفرنسي، الذي لن يكون لديه ما يقوله للمسؤولين اللبنانيين سوى انّهم ليسوا في مستوى المرحلة والكارثة، انّ لا فائدة من التحدث مع أناس لا منطق لديهم. كيف يمكن لاشخاص لا يمتلكون أي منطق من ايّ نوع، باستثناء الوصول الى رئاسة الجمهورية بايّ ثمن كان، بناء دولة والقيام بإصلاحات في لبنان؟

 

هناك قائمة طويلة بالاسئلة التي يطرحها اللبنانيون العاديون هذه الايّام. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه بقوّة في الأسابيع المقبلة كيف سيردّ «حزب الله»، ومن خلفه ايران، على البطريرك الماروني وطرحه السياسي الذي يعني بين ما يعنيه تموضع جديد للبنان. هل يكتفي «حزب الله» بردود عبر وسائل إعلامية تابعة له، لم تتردّد في تخوين رأس الكنيسة المارونية، ام يذهب الى ابعد من ذلك في التعاطي مع البطريرك وخسارته الغطاء المسيحي لسلاحه.

 

مثل هذا التموضع القائم على الحياد» يسمح للبنان باستعادة عافيته يوما بدل ان يكون مجرّد ورقة إيرانية لعبة سياسية لا افق لها. لا افق لمثل هذه اللعبة ليسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان ايران دولة مفلسة لا تتمنى لغيرها سوى البؤس والخراب. وهذا ما حلّ بلبنان.