حاول البعض الاستثمار في موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأحد الفائت، لجهة «تأييده» للحوار رئاسياً الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، على رغم أنّ الراعي لم يُعلن موقفاً مؤيداً أو رافضاً لهذا الحوار، بل أبرز موقفاً من طريقة الحوار «إذا حصل». بالتوازي، هناك محاولة لـ»توظيف» زيارة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري للراعي في اليوم التالي لعظته، من خلال تفسيرها على أنّها موقف مؤيّد لمسار الحوار الذي يريده بري.
الراعي قال في عظته: «إنّ الحوار المدعوّون إليه نوّاب الأمّة، إذا حصل رغم التجاذبات بين القبول والرفض، إنّما يقتضي أوّلاً المجيء إليه من دون أحكام مسبقة وإرادة فرض أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون أي إعتبار للآخرين…». وبالتالي هو لم ينتقد من يرفضون الحوار، بل دعا النواب، إذا حصل هذا الحوار، إلى عدم «فرض أفكارهم ومشاريعهم…». ما يعني، أنّه إذا كان من تفسير لهذا الكلام، فهو موجّه إلى من يتمسّكون بوجهة نظرهم رئاسياً ومرشحهم «من دون أي اعتبار للآخرين». هذا فضلاً عن تشديد الراعي على اعتماد الدستور واعتباره الطريق الوحيد الواجب سلوكه. أي إنّه يؤكد موقفه من أنّ انتخاب الرئيس يجري عبر الآلية الدستورية الانتخابية.
من جهة بكركي، يقول المطران بولس صياح لـ»نداء الوطن»: «إقرأوا النص، البطريرك لم يقل إنّه مع الحوار أو ضدّه، وهو لا يأخذ مواقف مؤيدة أو رافضة لمسائل كهذه». ويشدّد على أنّ «كلام البطريرك واضح، ولا يجوز تأويله، فهو قال هذه شروط الحوار، إذا حصل».
من جهتها، توضح مصادر معارضة أنّ هناك تفسيراً خاطئاً واستغلالاً وتحويراً لكلام الراعي ولزيارة البخاري له. ذلك لأنّ هذه الزيارة يكون موعدها مُحدّد ومُجدول مسبقاً وقبل أيام من عظة الأحد، وبالتالي إنّها زيارة بروتوكولية كلاسيكية وغير مرتبطة بموقف الراعي الأخير، ولو حصلت بعده مباشرةً. هذا فضلاً عن أنّ موقف بكركي معروف والموقف السعودي كذلك، فبقدر ما تحرص بكركي على «اتفاق الطائف» والقرارات الدولية وسيادة لبنان واستقلاله بقدر ما السعودية حريصة أيضاً على «اتفاق الطائف»، وسبق أن دعت إلى مؤتمر في هذا السياق لتأكيد موقفها، وهي حريصة على الدستور ومندرجاته وأكدت ذلك في بيان اللجنة الخماسية من أجل لبنان إثر اجتماعها الأخير في الدوحة.
الحديث عن اختلاف في الموقف من الحوار الذي دعا إليه بري، بين بكركي من جهة وحزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» من جهةٍ ثانية، استند إلى «تغريدة» لنائب «القوات» غياث يزبك، توجّه فيها إلى الراعي، بالقول: «عذراً سيدنا لم نفهم دعوتك النواب إلى تلبية الحوار، لأننا عززنا موقفنا بمضمون عظتك السابقة…». مصادر «قواتية» توضح أن لا أبعاد لـ»تغريدة» يزبك كما يُصوّر، وهو موقف عادي. لذلك، حرصت «القوات» على الإعلان أمس عن الاتصال الذي جرى بين رئيس الحزب سمير جعجع والراعي، علماً أنّ التواصل بين «القوات» وبكركي، قائم أساساً بشكل مفتوح وعلى أكثر من مستوى.
هذا بالشكل، أمّا في المضمون، فإنّ أي موقف للراعي لا يؤثّر على موقف المعارضة، فضلاً عن أنّ «هناك ثقة متبادلة واتفاقاً في العمق مع البطريركية المارونية على هوية لبنان ودوره والتعددية فيه ومشروع الدولة»، بحسب مصادر «القوات». وتشير إلى أنّ «الاتفاق مع بكركي أعمق من موقف لفريق أو آخر. وما يعنينا الموقف الوطني لبكركي، وهو مع السلاح الواحد وتطبيق الدستور وتنفيذ القرارات الدولية والمؤتمر الدولي وحياد لبنان ومع الانتظام والمؤسسات والاستقرار». وتركّز على أنّ «هذه العناوين كلّها تجمعنا ببكركي فيما تتناقض مع المشروع الآخر الممانع. وبالتالي المشكلة ليست بين بكركي و»القوات» و»الكتائب»، بل مع من لا يريد دولة ولا يطبّق الدستور ويعطّل الانتخابات الرئاسية ويضرب الانتظام المؤسساتي ويمنع الاستقرار ويربط لبنان بمحاور خارجية».
كذلك، تشير مصادر «القوات» إلى أنّ البطريرك يتحدّث عن الحوار كقيمة انسانية مطلقة، ونحن أيضاً لسنا ضد الحوار كمبدأ عام، لكن التجربة منذ عام 2006 حتى الآن، أظهرت أنّ هناك فريقاً لا يلتزم ما يجري التوافق عليه في الحوار بل يتراجع عنه في اليوم التالي ولا ينفذه ويتنصّل منه.
وتركّز «القوات» على الأساس في عظة البطريرك، والذي جرى «تجاهله»، وهو تأكيده على التزام ما يقوله الدستور، و»هذا ما نقوله».
وتوضح أنّنا «إذا ذهبنا إلى حوار كما يدعو بري، نكون كرسنا الحوار كمدخل للانتخابات الرئاسية، وبالتالي نصبح بعد ست سنوات أمام حوار مماثل، وبذلك نكون نعطّل دور مجلس النواب وإرادة الناس عبر الانتخابات، وهذا ما لا يقبل به البطريرك حُكماً».