IMLebanon

بكركي وعام المواجهة المارونية – “الماكرونية”… وصون المؤسسة العسكرية

 

تتساقط آخر أوراق روزنامة 2023، هذا العام الذي شهد على أحداث عربية ودولية، وكان آخرها إندلاع حرب غزة. ولم يسلم لبنان من تداعيات تلك الحروب والأزمات. ولم يستطع عزل نفسه وتطبيق ما يدعو إليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الذهاب إلى الحياد.

 

لا تزال بكركي على رغم كل ما تعيشه البلاد من أزمات ونكسات تأمل في إصلاح الوضع، فالمثل يقول «العين بصيرة واليد قصيرة»، لكن البطريركية المارونية تحاول السباحة عكس التيار وتأمين حدّ أدنى من إستقرار يبحث عنه جميع اللبنانيين.

 

تعدّ سنة 2023 ساعاتها الأخيرة، وعدّاد بكركي ينتظر ساعة الفرج لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية. فقد استهلّ الراعي عامه بعد جولة بريطانية حاول من خلالها الاطلاع على ما يدور في السياسة العالمية. وباشر منذ كانون الثاني جولة مشاورات مع الزعماء والنواب المسيحيين لعقد لقاء مسيحي موسّع يطرح مسألة الفراغ الرئاسي.

 

إستقبل الراعي الزعماء والنواب المسيحيين، وبعد الصعوبة في جمع القادة، طرحت بكركي فكرة عقد لقاء نيابي مسيحي، فأتى الرفض من «القوات اللبنانية»، والسبب هو أخذ المشكلة الرئاسية إلى غير مكان، فلُبّ المشكلة هو تعطيل «حزب الله» والحلفاء النصاب لفرض مرشحهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وإظهار المشكلة الرئاسية مسيحية، فألغي اللقاء.

 

ولم يوفّر الراعي جهداً، وقد كلّف راعي أبرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان أبو نجم جمع الأسماء المرشحة التي قد تقبل بها الكتل وتضمّنت الشخصيات الآتية: جهاد أزعور، نعمت افرام، زياد بارود، جورج خوري، صلاح حنين، فريد الياس الخازن، إضافة إلى ضم كلّ من فرنجية والنائب ميشال معوض وقائد الجيش العماد جوزاف عون إلى اللائحة.

 

وعند عدم الوصول إلى نتيجة، لم يستسلم الراعي للواقع المرّ الذي تعيشه البلاد، إذ دعت بكركي إلى قمة روحية أواخر كانون الثاني تناولتّ التعطيل المستمرّ للإستحقاق الرئاسي.

 

التباعد عن باريس

 

واستمرت بكركي في مشاوراتها، فكان البطريرك يلتقي باستمرار السفيرة الأميركية دوروثي شيا والسفير السعودي وليد البخاري، وفي مطلع نيسان وصلت الأمور بين المسيحيين والفرنسيين إلى الإنفجار الكبير، فللمرة الأولى يصل التوتر إلى هذا الحدّ، وتكوّن إجماع من الكتل المسيحية على رفض فرض «الثنائي الشيعي» لفرنجية، لكن باريس أكملت صفقة إيصال فرنجية، وحصرت تواصلها مع «حزب الله» وإيران، وكأنّ لا موارنة في لبنان، وانفجرت الأزمة وتشنجت العلاقات المارونية – الفرنسية، ولم يساوم البطريرك مع الفرنسيين، بل دعا إلى نزول الجميع إلى مجلس النواب والبطريرك سيبارك لمن يفوز.

 

تصدّى الراعي لسياسة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورفض صفقة «سماسرة الإليزيه»، كما أطلق عليه، وأتى تاريخ 12 نيسان وعقدت اللجنة الخماسية إجتماعاً لها، ورفضت السياسة الفرنسية في لبنان.

 

وتصاعدت حدّة الخلاف بين المسيحيين وفرنسا، وحاولت السفيرة الفرنسية آن غريو في 9 أيار تطمين البطريرك، لكن موقف بكركي كان حازماً في رفض تهميش المكوّن المسيحي في الإستحقاق الرئاسي.

 

بقي الأخذ والردّ بين بكركي والمسيحيين وفرنسا إلى أن التقى ماكرون الراعي في 29 حزيران، وقدّم الرئيس إعتذاراً لسيد بكركي، مؤكداً إنتهاء المبادرة الفرنسية والتطلع إلى مبادرة أخرى والحرص على التنسيق مع البطريركية المارونية، لكن حتى الساعة وعلى رغم الزيارات الدورية للمبعوث جان ايف لودريان، هناك شيء انكسر في العلاقة بين بكركي وفرنسا، ويحتاج الى وقت لإصلاحه، حسب مصادر كنسية.

 

ضغط الراعي

 

عيّن الرئيس نبيه برّي جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية في 14 حزيران بعد تقاطع المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» على ترشيح أزعور، ولعب ضغط الراعي لعبته، خصوصاً بعد تأمين أكبر إجماع مسيحي على التقاطع، وتركز عمل البطريرك على عدم تعطيل النصاب في الجلسة الثانية، ومارس ضغطاً على النواب المسيحيين لعدم فرط النصاب، لكن ضغط الراعي لم ينجح، إذ أقدمت كتلة فرنجية على مساندة «الثنائي الشيعي» في فرط النصاب، فشنت بكركي هجوماً على النواب المعطّلين والمعرقلين.

 

إستفحل الخلاف بين وزراء «التيار الوطني الحرّ» ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإحتراماً منه للدور المسيحي، دعا ميقاتي إلى لقاء تشاوري في الديمان في 8 آب. ورغم الإنتقادات، أكد البطريرك أنّ أبواب البطريركية مفتوحة للجميع، وساهم هذا اللقاء في تخفيف التشنج بين بكركي وميقاتي بعد إتهام البطريرك ميقاتي بخرقه منطق تصريف الأعمال وتصرّفه كأنّ البلاد تسير بلا رئيس جمهورية.

 

ملف التمديد

 

منذ بزوغ فجر 2023 والراعي يحمل همّ فراغ المواقع المسيحية والوطنية، فبعبدا بلا رئيس، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة انتهت ولايته في 31 تموز، ويبقى الاستحقاق الأكبر هو الفراغ في المؤسسة العسكرية. ومن يعدّ المرات التي توجّه فيها وزير الدفاع موريس سليم إلى بكركي يعرف المتابعة الحثيثة لهذا الملف من قبل سيد الصرح.

 

أول مرّة أكدت بكركي أنها مع التمديد لقائد الجيش إذا لم ينتخب رئيس للجمهورية كانت في أول تموز، وبعد عودته من رحلته الاوسترالية والفاتيكانية في تشرين، فتح الراعي المعركة وأدارها بحزم، واتخذ الموقف الواضح.

 

وأراد البطريرك حصول التمديد بإجماع وطني، وكان من يفاتحه بالموضوع يؤكد له أنه مع التمديد و»أنتم من عليكم تدبير الوسيلة سواء في مجلس الوزراء أو مجلس النواب». وعاد البطريرك الى المحاولة مجدداً مع وزير الدفاع والتقى النائب جبران باسيل، لكن كل الأمور لم تصل إلى خواتيمها السعيدة، فكان القرار بالتمديد في مجلس النواب.

 

تنفست بكركي الصعداء بعد التمديد لقائد الجيش لتعود إلى معركة رئاسة الجمهورية، ويأمل البطريرك إنتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن ومنع تفكك الدولة، ويبحث الراعي مع الداخل والخارج عن تأمين هذا الإنتخاب وحماية البلد، مع أنّ المؤشرات لا تدل على حلحلة قريبة للملف.