لمن لا يعرف لعبة «البليار»، فهي تقتضي في بعض الأحيان أن تضرب بالعصا طابةً ما بهدف إسقاط طابةٍ أخرى في «الجورة». هكذا هي لعبة «حزب الله»، فهو يقصف إسرائيل ليتحكّم بلبنان. يستشهد شهداؤه على «طريق القدس» لِيَقطِف الثمار على «طريق بعبدا» بعد أن استملَكَ «عين التينة» وطَوَّعَ «السراي» وعَطَّلَ كلّ ما لم يستطع وَضع اليد عليه بالكامل بعد.
وفي سياق رفضه لهذا الواقع، تقوم القيامة على البطريرك الماروني بشارة الراعي وتُشَنّ عليه الحرب الضروس ويُلبَس لُبُوس العمالة وتُوضَع على صُوَرِه نجمة داوود ويُوصَف بأنّه الناطق الرسمي باسم العدو الصهيوني في لبنان.
والدتي، التي لا تفارق كنيسة ضيعتها، تُخاصِم اليهود وإسرائيل منذ أن صَلبوا المسيح منذ 2024 سنة. المسيح غَفَرَ لأعدائه وأمّي لم تغفر لهم. هي لا تعرف أن تفرّق بين اليهود وإسرائيل.
لم يكن هناك مِن نزاع عربي يهودي قبل إنشاء دولة إسرائيل أي منذ 75 سنة. الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وامتداداتها وصولاً إلى «حزب الله» في لبنان، يُعادون إسرائيل «مبدئياً» منذ 45 سنة فقط. بمعنى آخر، والدتي تُعادي اليهود وإسرائيل قبل نشوء الصهيونيّة وقبل إنشاء دولة إسرائيل، وتعادي اليهود وإسرائيل قبل الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وقبل «حزب الله» بفارق ١٩٨٠ سنة.
فرجاء لا يُزايدَنَّ أحدٌ على أمّي وكنيستها في موضوع الارتهان والعمالة والامبرياليّة والصهيونيّة وما شابه. إنَّ كلّ اتهامات العمالة والصهيونيّة التي تُرشَق بها القيادات الوطنيّة الروحيّة والزمنيّة ناتجة عن ضعف حجة مطلقيها في الدفاع عن سبب وعلّة وجودهم بعد افتضاح شعبويّة الشعارات.
في العودة إلى لعبة «البليار»، ليس البطريرك الراعي وسائر البطاركة ولا المطران عودة وسائر الأساقفة، ولا سمير جعجع ولا سامي الجميّل وسائر النواب والإعلاميّين والقوى السياديّة وحدهم، بل كلّ من لا يدور في فلك «محور الممانعة»، وهم الأكثريّة الساحقة مِن اللبنانيّين مِن مختلف الطوائف، كلّهم متوجّسون من مخططات وطموحات وأطماع هذا «المحور» في لبنان. فهذا «المحور»، وتحت التَغطِيَة الدخانيّة بِوَابِلٍ من الشعارات الرنّانة الطنّانة كَمِثلِ «تحرير القدس» و»محاربة الشيطان الأكبر أمريكا» وإزالة «الشيطان الأصغر إسرائيل» من الوجود، ينتهي به الأمر إلى إلغاء الدولة لصالح الدويلة وإلغاء الوطن لصالح الساحة تحت شعار «وحدة الساحات».
هل من داعٍ لاستذكار مَنع التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت ونصف العاصمة واستباحة الحدود والمعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة وتهريب عشرات مليارات الدولارات من المواد النفطيّة والغذائيّة والدوائيّة المدعومة إلى الخارج، عدا عن مصانع الكبتاغون وباقي المخدرات والممنوعات لنعرف كيف تُوضَع اليد على الدولة؟ طبعاً ما ذكرناه ما هو إلّا غَيضٌ من فَيض لأنّ اللائحة لا تنتهي.
لا نعرف إلى أين ستنتهي حرب غزّة، ولا نعرف إذا كانت حرب غزّة ستمتد إلى كامل لبنان أم ستتحوّل إلى حرب إقليميّة أو ربما عالميّة. لكن يبقى الأكيد أنّ كلّ حرب سوف تنتهي، وسيبقى هناك لبنان. هل سيرتضي «حزب الله» طوعاً بعد الحرب أن يُسَلِّم سِلاحَه إلى الجيش وأن يعود إلى لبنانيّته وإلى لبنان الوطن النهائي وإلى الدولة اللبنانيّة السيّدة الحرّة المستقلّة وإلى الدستور الناظم للأنظمة وإلى القضاء الذي يعلو فوق الجميع وإلى الجيش الذي لا رَبِيب ولا عشيق ولا ضرّة له، فنبني سويّاً «جمهوريّة قويّة» نَرفَع بها رأسنا وتُرفَع لها القُبَّعة؟
لا حلّ إلّا بذلك، والباقي أوهام ساقطة وأحلام فانية. فما خَرَجَ أحدٌ مِن أو على وطنه إلّا «بَرَدَ». عودوا إلى دفء الوطن، فلا أحد، مهما بلغ حجمه، اكبر مِن وطنه.