كان الكاردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي ودوداً ومنفتحاً على أي سؤال يخطر في بال أعضاء مجلس نقابة محرري الصحافة في بكركي أمس. كان استقباله لنا حاراً، وبدا في منتهى الإيجابية في ردّه على كلمة النقيب جوزف القصيفي، التي أكّد فيها وجوب الالتزام بالنهج الذي أرسته القمّة الروحية التي عُقدت أخيراً في بكركي، وصدر عنها “بيان نوعي، تميّز بالحكمة وحسّ المسؤولية في مقاربة الوضع الراهن، في ضوء تصميم العدو الإسرائيلي على إبادة من يستطيع إبادته في لبنان، وخلق أرضية لصدام بين مواطنيه يؤسس لحرب أهلية”.
واستوقفت أبيات من الشعر في ختام كلمة النقيب القصيفي للشاعر الأموي نصر بن سيار الكناني، فأعاد هو شخصياً قراءتها: “أرى تحت الرماد وميض ناري وشك أن يكون له ضرام فإنّ النار بالعودين تذكى وإنّ الحرب مبدؤها كلام إن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام”.
وتوقف سيّد بكركي ملياً عند كلمة “الحرب مبدؤها كلام”، وسأل: “في أي قرن هذا الكلام؟”، قيل له: “القرن السابع ميلادي”. فعلّق: “كم كان هذا الشاعر مصيباً ومتبصراً!”. الراعي استهلّ كلمته بوصف اللقاء مع مجلس النقابة بـ”الجميل جداً”، واعتبر أنّ “الصحافة البنّاءة هي أساس. وأنتم حريصون عليها، وأشكركم على كل ما تقومون به، خصوصاً أنّ الوطن في حاجة إلى التهدئة في ظل هذه الحرب الكبيرة التي تشهد قتلاً ودماراً وتهجيراً، والتهدئة هي مهمتكهم، وهي من صلب دوركم لطمأنة الناس في ظل تهجيرهم من بلداتهم ومنازلهم، وفاق عددهم المليون ومائتي شخص، ولا ننسى الضحايا وهم بالآلاف. وعليكم التركيز دائماً على ما هو إيجابي والتخفيف من السلبيات. والناس ليسوا في حاجة إلى التغذية ومراكز نزوح، بل إلى الكلمة الجميلة البنّاءة، إلى الكلمة التي تعزز لديهم الرجاء. أنتم بناؤون، تابعوا رسالة البناء. الكلمة لا تموت ودورها آتٍ لا محالة”. وبعد هذه الكلمة التمهيدية من البطريرك، فتح باب الأسئلة والأجوبة. فكشف الراعي أنّ هناك لجنة متابعة لقمة بكركي ستبصر النور قريباً، وستعقد خلوة للبحث في موضوع النازحين اللبنانيين، على أن ترفع توصياتها إلى قمة روحية تُعقد لهذا الغرض”.
وأضاف: “نحن نعمل من أجل وحدة اللبنانيين ولاستقبال جميع النازحين وللتهدئة، وحديثنا ليس حديثاً سياسياً. حديثنا هو العيش الواحد بين اللبنانيين”. ونفى رداً على سؤال ما تردّد عن خلافه مع الفاتيكان ومطالبة الأخير له بالاستقالة، وقال: “ما في شي منو”، والتقيت قداسة البابا خلال مشاركتي في تقديس الأخوة المسابكيين، وطلبت قبول عدم مشاركتي في السينودوس وانتداب المطران بولس روحانا ووافق قداسته. كذلك التقيت أمين سرّ الدولة الكاردينال بارولين، وليس هناك استقالة او إقصاء”.
وقال رداً على سؤال: “في الحروب ليس هناك كلام عن انتصار او انكسار. في الحروب تجري مفاوضات ديبلوماسية، وهي للأسف ما زالت غائبة، ومن الممكن أن تحصل مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي وعد خلال حملته أن ينعم الشرق الأوسط بالسلام. الحل يكون بالمفاوضات السياسية وليس بالانتصار او الانكسار”.
وسأل سيّد بكركي: “أين هو العنصر المسيحي في المفاوضات الحاصلة. المسألة عرجاء ليس من اليوم ولكن منذ شغور كرسي رئاسة الجمهورية. تحدثت مرّات عدة عن ميثاقية عمل كل من رئيسي مجلسي النواب والوزراء في ظل غياب رئيس الجمهورية. والحق في ذلك ليس على المسيحيين. بل على من أقفل المجلس النيابي. والمطلوب من رئيس مجلس النواب دعوة النواب إلى عقد جلسات متتالية لانتخاب الرئيس”، واعتبر القول بالاتفاق على اسم الرئيس “غير دستوري وغير منطقي، فهذا المنطق هو إعطاء حق “الفيتو”. منين جابوها: روحوا اتفقوا على واحد. المطلوب جلسات متتالية لا أكثر ولا أقل”.
وأضاف: “تأمين النصاب واجب، وعلى النائب الحضور إلى المجلس لانتخاب رئيس. والقول إن للنائب الحق في التغيب عن جلسة الانتخاب “مش شامم ريحة الدستور”. وفي عودة إلى لقاء بكركي الذي جمع القيادات المارونية سابقاً، وهل هناك إمكانية لتوجيهه الدعوة اليها مجدداً لبتّ موضوع الرئاسة والاتفاق على اسم، قال الراعي: “لم يحصل هذا من قبل في بكركي، وفي السابق اجتمع القادة الموارنة للقول “نحن مرشحون للرئاسة”، ولم يكن مطروحاً أمر اختيار بكركي لواحد منهم. وقلت لهم يومها: “انا أتحفّظ عن هذا اللقاء، لأنّ لكل ماروني الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية، وليس هناك حاجة لإعادة جمعهم. الحاجة واحدة، ألا وهي فتح باب البرلمان لانتخاب رئيس”.
وقيل للبطريرك: “أصبح ملف التمديد لقائد الجيش في عهدتكم”؟ أجاب: “عبّرت عن موقفي من ألموضوع في عظة الأحد، وقلت لا يجوز تغيير القائد في هذه الظروف، وفي ظل غياب رئيس الجمهورية والحرب الدائرة، وتماسك الجيش ووحدته هما الأهم. الظروف الراهنة لا تسمح بتغيير أي شخصية في هذا الموضوع”.
وسُئل: موقفكم من التمديد لقادة الأجهزة الأمنية ألاخرى؟ أجاب: “نعم. أنا مع التمديد لقادة الأجهزة الامنية في هذه الظروف الصعبة”. أخيراً وفي ردّه على سؤالين: هل أنتم خائفون على لبنان؟ وهل تؤيّدون عقد مؤتمر وطني للبحث في الأمور التي لم تُبت بعد او أي أفكار تتصل بمستقبل لبنان؟ أجاب الراعي: “لست خائفاً. ونحن نقول إنّ لبنان لجميع أبنائه، ولا تمييز بين لبناني وآخر. وعلينا جميعاً الاتكال على لبنان الوطن بتنوعه وتعدديته، وهو يكون الحامي للجميع، وليس الاتكال على الخارج. وعلينا احترام حدودنا ودستورنا. المحاصصة خطأ”. وأضاف: “سبق أن دعوت إلى عقد مؤتمر وطني لدرس تطبيق اتفاق الطائف بنصه وروحه. فلا يمكن إلغاء هذا الاتفاق. وتطبيق القرارات الدولية التي لم تُطبق وإعلان حياد لبنان. هذه نقاط في حاجة إلى عقد مؤتمر وطني”.
ودّع الراعي أعضاء مجلس النقابة ببشاشته المعهودة، لكن هاجساً يقضّ مضجعه لاحظه الجميع، وهو وضع النازحين واحتضانهم، والدفع في اتجاه تحصين الاحتضان الوطني لهم، لقطع دابر من يسعى إلى زعزعة الاستقرار من بوابة هذا الملف.