عندما طرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الحياد كحلّ للأزمة، وُوجه بسيل من الإتهامات وصلت إلى حدّ التخوين من قبل فريق معروف، ليذهب هذا الفريق إلى حلول مع دولة تُوضع في صفّ الأعداء.
لا يزال الراعي متمسكاً بطرح الحياد ويعتبر أنه الإنطلاقة الفعلية لأي تسوية مقبولة ومشروع حلّ جذري للأزمة اللبنانية.
وفي السياق، تؤكّد مصادر كنسيّة لـ”نداء الوطن” أن الفريق الذي هاجم طروحات البطريرك خَفُت صوته لحظة الإعلان عن صفقة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ومع أن بكركي تُرحّب بأي مسعى لحل الأزمات إلاّ أنها تتساءل عما إذا كان يحق لفريق واحد الإستئثار بالسلطة، وأخذ كل لبنان معه إلى الحرب أو السلام ساعة يقرّر ذلك، أو لحظة يأخذ ضوءاً أخضر من المحور الذي ينتمي إليه؟
وتطالب الكنيسة بأن يصبح ملف الترسيم بين لبنان وإسرائيل محصوراً بيد الدولة اللبنانية فقط، ولا يدخل في بازار المصالح لأن حدود لبنان الكبير كما أرادها البطريرك المكرم الياس الحويك عام 1920 ليست محل مساومة، أو ورقة في يد فريق لبناني له إرتباطات إقليمية معروفة.
ويرى فريق أساسي من اللبنانيين أن طروحات البطريرك الراعي في الحياد جيدة لكن يجب أن تمرّ بمرحلة أساسية، وهي تدويل الأزمة ومن ثمّ القيام باجتراح الحلول السياسية، لأن سلاح “حزب الله” وقوته وجدا بغض نظر دولي، وعلى الدول أن تساعد القسم الأكبر من الشعب اللبناني من أجل التخلّص من هيمنة السلاح غير الشرعي، خصوصاً أن تلك الدول تعلم جيداً بمدى تأثير هذا السلاح على الحياة السياسية اللبنانية، وقد قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمره الصحافي الأخير من أن سلاح “حزب الله” يرهّب اللبنانيين.
ويبدو أن موضوع الحياد وحتى تدويل الأزمة اللبنانية مرتبط بشكل كبير باتفاق الأفرقاء الداخليين وبوجود رضى إقليمي ودولي، في حين أن تعقيدات الأزمة السياسية تطول وتدخل فيها عناصر إقليمية ودولية قد لا يحسمها إنتظار من سيكون قاطن البيت الأبيض.
وتؤكد أوساط ديبلوماسية أن عدداً من الدول الإقليمية الفاعلة لديها مصالح وأطماع في لبنان لذلك قد ترفض طرح الحياد لأن ذلك يناقض مصالحها، في وقت توجد دول أخرى مؤيدة لهذا الطرح لأنه يحدّ من نفوذ بعض الدول التي تعتبر أن لبنان ساحة مفتوحة على الصراعات.
لكن في المقابل، فان عدداً من السفراء الغربيين يعتبرون أن التدويل حاصل لكن من دون قرار رسمي صادر عن مجلس الأمن الدولي، وما مبادرة الرئيس ماكرون سوى دليل على أن الازمة اللبنانية باتت في حكم المدولة ولم يعد ينفع إلا حصول توافق إقليمي ودولي كبير.
وبما ان المفاجآت قد تحصل، فانه من غير المستبعد حصول مثل هكذا قرار يُدوّل الازمة اللبنانية رسمياً أو ينقلها إلى مكان آخر، مع مطالبة لبنانية واسعة بضرورة نشر قوات “اليونيفيل” على الحدود الشرقية والشمالية لضبط التهريب، وكذلك في العاصمة والمطار والمرفأ لضبط المعابر الشرعية أيضاً.
وأمام كل هذه الوقائع، يقف الحكام في لبنان موقف المتفرج على الإنهيار الإقتصادي الحاصل والهريان الذي يضرب مؤسسات الدولة، وقد سلّموا أمرهم إلى نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية من دون أن يكون لهم كلمة أو “همّة” في مشوار إنقاذ بلدهم وشعبهم.