منذ أسبوعين، تلقّى البطريرك الماروني بشارة الراعي دعوة لزيارة دولة الإمارات استكمالاً لحوار الأخوة الذي حضره الراعي في شباط 2019. لكن تأتي هذه الدعوة في خضم محاولة الإمارة الخليجية توسيع بيكار «السلام» مع العدو الاسرائيلي، عبر ما يسمّى «التطبيع الروحي»، لكونه البوابة الأسهل لجمع المسلمين والمسيحيين واليهود ضمن حلقة واحدة
زيارة سفير الإمارات في لبنان الوداعية لبكركي بعد انتهاء مهامه الدبلوماسية، حملت الى جانب الوداع رسالة أخرى موجهة من وزير الخارجية والتعاون الدولي عبد الله بن زايد آل نهيان الى البطريرك بشارة الراعي لزيارة أبو ظبي و»مناقشة وثيقة الأخوة الإنسانية وكل ما يتعلق بموضوع الالتقاء والحوار والتسامح والعيش المشترك»، كما صرّح الشامسي بعد اللقاء. هذه الزيارة التي لم يحدد البطريرك الراعي موعدها بعد، لن تكون الأولى له، فقد سبق أن زار أبو ظبي في شباط 2019 بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس لافتتاح مؤتمر الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر. فالإمارات، على ما تقول مصادر مقرّبة من بكركي، «تحرص باهتمام شديد على استضافتها الحوار الإسلامي المسيحي وعلى إحيائه باستمرار، خصوصاً أنها أعلنت العام 2019 عام التسامح». يومها قال ولي عهد أبو ظبي (الحاكم الفعلي للإمارات) محمد بن زايد، إن طموحه يكمن في جعل الإمارة الخليجية «عاصمة عالمية للتسامح وتأكيد قيمة التسامح باعتبارها عملاً مؤسساتياً مستداماً من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة الى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة». وبالفعل، تكلل العام الإماراتي بـ»اتفاق ابراهام» بين أبو ظبي وتل أبيب، وبالعفو عن العدو الإسرائيلي ومسامحته على كل ما ارتكبه ولا يزال من سرقة للأراضي وتهجير شعبها ومجازر بحق الفلسطينيين والشعوب العربية.
غداة اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، بات يتركز همّ محمد بن زايد على تبييض صفحة الإمارات التي تصدّعت نتيجة هذا الاتفاق المذل… وأيضاً محاولة تسويق النيّات الإسرائيلية «الحسنة» تجاه الشعوب العربية والرغبة «في التعايش بسلام» معها. والطريقة الأفضل لتمرير هذا السلام هي عبر التطبيع الروحي ومن بوابة المؤتمرات، تحت عنوان جمع الديانات بعضها مع بعض، وإطلاق شعارات برّاقة كالأخوّة والإنسانية والتسامح. فاختيار تسمية اتفاق إبراهام للتطبيع بين الإمارات والاسرائيليين لم يأت عن عبث، بل أوضحه السفير الأميركي في إسرائيل دايفيد فريدمان عند الإعلان عن الاتفاقية. فأشار الى أن «إبراهيم هو أبو الديانات الثلاث ويمثل القدرة على توحيد هذه الديانات»، الأمر الذي تردّده كل من أميركا و«إسرائيل» باستمرار عن إمكانية عيش هذه الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) بسلام في المنطقة. سريعاً تناغمت أبو ظبي مع الخطة الأميركية الإسرائيلية، فبدأت حتى قبيل التطبيع، بعقد مؤتمرات ومعارض حضرها إسرائيليون، وها هي اليوم تجهد لبناء معبد مشترك للديانات الثلاث سيتم افتتاحه في العام 2022 تحت اسم «بيت عائلة إبراهيم».
المقرّبون من البطريرك يؤكدون أن زيارته محصورة بالحوار الإسلامي – المسيحي
من هنا يبدو تخوّف البعض مشروعاً حول النيات الإماراتية من دعوة الراعي لزيارتها بالتزامن مع ذهابها أبعد ممّا يريده الإسرائيليون من هذا التطبيع، وترسيخه في المناحي السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والتعليمية كافة… وبالتالي لن تتوانى أبو ظبي عن محاولة تحوير زيارة البطريرك الماروني اليها لتسجيل نقاط إضافية لدى الاسرائيلي والأميركي، إذ يتركز همّ الإمارات الأول اليوم على توسيع حفلة العلاقات العامة مع كل الدول ومحاولة جرّ الجزء المتبقي معها الى الثغرة التي فتحتها.
في المقابل، ثمة من يطمئن «المتخوّفين» إلى أن البطريرك الراعي يدرك جيداً هدف زيارته المحصور بمؤتمر الأخوة الإنسانية وبالحوار الإسلامي المسيحي حصراً، فيما الحوار الإسلامي المسيحي اليهودي ليس من مسؤولية البطريرك الماروني، بل بابا الفاتيكان. ويشير المقرّبون من الراعي الى أن «غبطته حريص على البلد، وسبق له أن ذهب الى الأراضي الفلسطينية من دون أن يلتقي ولو جندياً إسرائيلياً أو مسؤولاً صغيراً، ولن يذهب الى أبو ظبي اليوم للقاء الاسرائيليين أو التحاور معهم. فهو ليس مؤيداً لاتفاق المصالحة مع إسرائيل، ولقاءاته ستقتصر على المسؤولين الإماراتيين ونقطة على السطر». ويوضح هؤلاء في سياق مختلف أن «الشأن السياسي اللبناني سيكون من ضمن أولوياته وليس فقط الشأن الديني». ويسألون: «الرئيس سعد الحريري زار الإمارات، من دون أن يربط أحد زيارته بالتطبيع، فلماذا الزجّ بغبطة البطريرك في شأن لا يعنيه؟».