Site icon IMLebanon

الاغتيال ودعوة الراعي

 

يستهزئ البعض بالوقع السياسي والنفسي لاغتيال لقمان سليم بشكل سافر، على جمهور واسع من اللبنانيين، وعلى الصعيد الخارجي، ولا يكترث هذا البعض كما يظهر بتعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي، لاتهام “حزب الله” بأنه يقف وراء هذه الجريمة، على رغم استدراك عدد من المواقف بوجوب انتظار نتائج التحقيق التي يصعب التصديق بأنها ستظهر.

 

وإذا كان قصد من اغتالوا لقمان سليم ترهيب أقرانه سواء في الطائفة الشيعية أو خارجها، خصوصاً الناشطين في انتفاضة 17 تشرين، فإن غالبية ردود الفعل برهنت العكس وبدا أن الرجل ليس شخصية معزولة في طائفته. هؤلاء تجرأوا في المواقف أكثر، ووجهوا اتهامات علنية لـ”حزب الله”، ما دفع بالمشككين باتهام الحزب إلى القول إنه ليس مستفيداً من الجريمة لأنها أتاحت توجيه أصابع الاتهام نحوه. لكنها ليست المرة الأولى التي لا يأبه الحزب لاتهامه، سياسياً أم قضائياً.

 

في وضع سياسي وأمني يسوده الغموض والتداخل في العلاقة بين الدولة وبين سلطة الأمر الواقع، من الطبيعي أن يسعى البعض لإضاعة الحقائق وخلط الخيط الأبيض بالخيط الأسود. الالتباس بين هوية الدولة ووظيفتها وبين سلطة القوى النافذة ودورها، يقود إلى السجال حول الحقيقة، وإغراق سوق الكلام بالأسئلة بدلاً من الأجوبة، حتى ينسى المرء الجوهري من الحقائق.

 

الاغتيالات في وضع سياسي وأمني معقد كالذي في لبنان تكون عادة تمهيداً لمرحلة. فتوقيت الجريمة تزامن مع انسداد أفق أي حل وسط لمأزق تأليف الحكومة الجديدة وارتفاع وتيرة الحملات المتبادلة بين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين فريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حول المسؤولية عن تأخير الحكومة. فهل هناك من اعتقد بأن ضباب الأزمة السياسية واحتدام الصراع على السلطة مناسبة لتمرير تنفيذ الجريمة تحت ظلالها، فلا تأخذ حيزاً من الاهتمام قياساً إلى تلك الأزمة؟

 

البعض الآخر رأى أن التوقيت كان على العكس جراء التركيز على “حزب الله” على أنه يقف خلف حليفه الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” ضد ولادة الحكومة، وفق النظرية القائلة إن مصالح الحليفين تلاقت ضمناً على الحؤول دون حكومة مستقلين عن الأحزاب، تسلبهما التأثير في القرارات المهمة في مسائل كبرى في المرحلة المقبلة. وهذا تزامن مع حملات سياسية وإعلامية تصاعدت أخيراً ضدهما، لا سيما بعد اتهام سوريين من جماعة نظام بشار الأسد بأنهم وراء استيراد نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت العام 2013 لاستخدامه في الحرب ضد شعبه، وأن الحزب سهل العملية بنفوذه. وبعد التصريحات الإيرانية عن جهوزية الصواريخ في لبنان للدفاع عن إيران، لم يسبق أن تعرض “حزب الله” للحملات بهذه الكثافة كما في الشهرين الأخيرين سواء من زعامات أو من ناشطين بينهم لقمان سليم، وصولاً إلى التلميحات المتتالية للبطريرك بشارة الراعي. لم يعد غطاء “التيار الحر” خط الدفاع الأول عنه، يحجب انتقاده. “التيار” نفسه مضطر للتمايز عن الحليف.

 

هل ان من قرر اغتيال لقمان سليم أخطأ وأثار المواقف الداخلية والخارجية فباتت دعوة الراعي إلى طرح قضية لبنان في “مؤتمر دولي خاص”، فكرة مسموعة في سياق ما يجري التمهيد له إقليمياً في عهد جو بايدن؟ وهل ان الاغتيال استباق لتعديلات على مواقع النفوذ في لبنان وستكون له مفاعيل غير محسوبة على صعيد الشارع الغاضب؟