IMLebanon

التدويل وشروط التأجيل

 

عجَبٌ ممن يستغربون طرح فكرة تدويل الأزمة اللبنانية، أو بالأحرى وضع الحل في عهدة المجتمع الدولي، متسائلين عن الأسباب والتوقيت. فهؤلاء لا ينضوون إلا تحت لافتة الجهالة أو التجاهل وخبث العارفين.

 

البطريرك الراعي لم يستفق صبيحة أحَد على حلمٍ أو إثر كابوس، بل شاهد على مرّ السنوات الكأسَ يفيض، وخَبِر عبثاً محاولات منع انحدار الوطن الى الحضيض.

 

لم يصل البطريرك الى استنتاجه وموقفه الجريء إلا بعدما تقطَّعت السبل بأهل العقل فانكفأوا صاغرين أمام أصحاب الشهوة. وهؤلاء تمكَّنوا من البلاد فسرقوا خيراتها ورهنوا سيادتها وأفقروا ساكنيها ومزقوا تنوعها وصولاً الى عاصفة النيترات العمياء المتوَّجة بفظاعة “قتل الناس جميعاً” باستهداف لقمان سليم.

 

قبل الاسترسال بالحديث المملّ عن “عفاف” السيادة الوطنية وقدرة اللبنانيين على اجتراح الحلول وعبقرية “المكونات” في ابتداع تفاهمات تبعد عنا كأس “الأجنبي”، ينبغي التمييز بين “تدويل” يُدخل البلاد في “لعبة الأمم”، وبين ذاك الذي ينشده البطريرك برعاية الأمم المتحدة والمنطلِق من مبادئ اخلاقية تظلّل نظاماً سياسياً يضمن الحريات وتداول السلطة وحياد الدولة وسلمها الأهلي.

 

ليس “المؤتمر الدولي” وتطبيق قرارات الأمم المتحدة جمعاء على قاب قوسين أو في متناول اليد كي يختلف اللبنانيون على التعريفات والتفاصيل. ولعلّه ضربٌ من الخيال أن نرى أنفسنا ننعم بدولةٍ عادية تريد العيش والنماء بعدما دفعت حصتها دماً ودماراً وهجرة على مدى نحو نصف قرن من المعاناة. لكن ضروري بقاء هذا الطرح هدفاً استراتيجياً ما دامت المنظومة الحاكمة مصرّة على نهج المحاصصة وتعطيل الحياة وإبقاء لبنان ساحة في النزاع الاقليمي.

 

هناك بالطبع ما هو أسهل من مناشدة الأمم المتحدة وضع يدها على ملفّ لبنان، لأن تبنّي المنظمة الدولية المطلبَ ليس بالأمر اليسير، فهو يحتاج رياحاً دولية مؤاتية لا تهب في كلّ حين، ولا يحظى بإجماع داخلي، مع ان الاجماع ليس شرطاً حين يتعلق الأمر بـ”حقّ اصلي” مارست مثله المقاومة “الوطنية” وبعدها “الاسلامية” ضد الاحتلال الاسرائيلي.

 

لا احد يمكنه سحب نداء البطريرك الى المجتمع الدولي من التداول. يستطيع المعنيون تجميده وتأجيله اذا عاد العقل الى مَن بأيديهم الحل والربط، فاستعادوا روح التعاون بدل التعطيل، وأفرجوا عن القضاء ليحاسب المسؤولين عن الاغتيال والتفجير، وفُتح الباب واسعاً للتدقيق الجنائي، وأُتيحَ للمواطنين العودة الى صناديق الاقتراع للمباشرة السلمية بالتغيير… شروط بسيطة يستحقها الشعب اللبناني، وعسيرة لأنها تلغي مبرر وجود الحكم والحاكمين.