تحرك سفراء «الخليج» لا يرقى إلى مبادرة وإنما البحث عن مخارج للمأزق
بدت لافتة بالشكل والمضمون، حركة المشاورات الدبلوماسية التي يتولاها سفير خادم الحرمين الشريفين وليد البخاري في لبنان مع القيادات السياسية والروحية، معطوفة على نشاط بارز للسفيرين الكويتي والإماراتي عبد العال القناعي وحمد سعيد الشامسي على عدد من المسؤولين، في وقت لازالت مواقف البطريرك بشارة الراعي التي أطلقها الأحد الماضي، تتفاعل في الأوساط السياسية والروحية، من منطلق كونها شكلت خارطة طريق للمرحلة المقبلة، يتوقع أن يتردد صداها في أكثر من اتجاه، في ظل استقطاب البطريركية المارونية لحركة المشاورات السياسية والدبلوماسية اللبنانية والعربية والدولية، لما تركته مواقف البطريرك الراعي من ترددات، تجاوزت لبنان إلى المدى الأوسع، في وقت يعاني البلد عزلة عربية ودولية خانقة، ما عاد أحد قادراً على تحملها، الأمر الذي دفع رأس الكنيسة المارونية إلى إطلاق صرخته، في حين شهد البلد في الأيام الماضية سلسلة لقاءات دبلوماسية لعدد من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، في إطار الجهود الرامية لإنقاذ لبنان من الأسوأ، والسعي إلى وقف الانهيار قدر المستطاع.
وتشير أوساط سياسية وروحية قريبة من بكركي لـ«اللواء»، إلى أن البطريرك الراعي الذي يدرك حجم المخاطر الجسيمة التي تحدق لبنان، أراد أن يضع النقاط على الحروف ويحدد مكامن الخلل التي ينبغي أن تعالج قبل سقوط الهيكل، من خلال دعوته رئيس الجمهورية إلى فك الحصار عن الشرعية، وهو أمر لم يعتده لبنان في تاريخه، وسط هذه الهوة العميقة التي تفصل بين الشعب اللبناني والقيادات، مؤكدة، أن مسؤولية هذا الانهيار المتفاقم، تقع على عاتق هذه السلطة التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه من تخلف وتراجع على مختلف المستويات. وهذا ما يعانيه اللبنانيون في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعد تحتمل، ما سرَّع في انتفاضة اللبنانيين، رفضاً لهذا الواقع الذي ينذر بما هو أسوأ إذا استمرت هذه السلطة مستقيلة من مسؤولياتها ولا تلتزم بأدنى واجباتها تجاه شعبها الذي يعاني الأمرَّين.
وتشدد على أن التحرك الدبلوماسي باتجاه البطريرك، إنما ينطلق من الحرص على توفير أكبر دعم ممكن للبنان، من أجل مساعدته على تجاوز هذه الأزمة الصعبة التي يمر بها، وتحديداً على الصعيدين الاقتصادي والمالي، دون أن يرقى هذا التحرك إلى مستوى مبادرة عربية أو خليجية أقله في الوقت الراهن، بالنظر إلى الظروف التي تعيشها كل الدول العربية، سيما دول مجلس التعاون في حمأة التوترات الإقليمية المتصاعدة. وهو أمر لم يمنع عدد من السفراء العرب من تزخيم مشاوراتهم مع المسؤولين اللبنانيين، في سياق البحث عن مخارج للوضع اللبناني المأزوم، في ظل مرحلة محفوفة بالمخاطر التي تتهدد جميع دول المنطقة التي تعاني ظروفاً بالغة الدقة، مشيرة إلى هذه التحركات الدبلوماسية تأتي متزامنة مع جهود فرنسية وفاتيكانية، سعياً لفك الحصار المفروض على لبنان، في مقابل التزام لبنان بتنفيذ الإصلاحات التي تعهد بها إلى الدول المانحة، وكذلك التزام خط سير واضح المعالم في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي الذي يشكل بوابة الحل دون سواه.
السعودية حريصة على سيادة لبنان والدفاع عن مصالحه العربية والدولية
وترى في هذا الخصوص مصادر معارضة لـ«اللواء»، أن الدول الخليجية المعنية تاريخياً بالوضع اللبناني وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، يهمها كثيراً ألا تنجح إيران في سحب لبنان من حضنه العربي، أي أن تعمل على «فرسنته» وهو أمر يتولاه أتباعها في لبنان، ما يفرض أن تبقى الدبلوماسية الخليجية نشطة في لبنان، في إطار العمل على مواجهة هذه المحاولات الفارسية، باعتبار أن دول مجلس التعاون ما زالت تعاني من وطأة الاستفزازات الإيرانية المستمرة التي وصلت حد الاعتداءات العسكرية على السعودية والبحرين وغيرهما. ولهذا فإن أكثر ما يهم المملكة وشقيقاتها في مجلس التعاون، الحرص على سيادة واستقلال لبنان، والدفاع عن مصالحه العربية والدولية. وبالتالي فإن كل صوت سيادي واستقلالي في لبنان، سيلاقي صداه لدى هذه الدول التي ما قصرت يوماً في دعم لبنان وتأمين مقومات صموده واستمراره في محيطه العربي وعلى الصعيد الدولي.
وتعتبر أن عودة البطريركية المارونية إلى المسرح السياسي، باتت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، باعتبار أنها لا يمكن أن تساوم على استقلال لبنان، وهو موقف يتماهى تاريخياً مع مواقف الدول الخليجية التي برهنت عن هذا التوجه في مفاصل أساسية من تاريخ وحاضر لبنان.وفي الوقت الراهن في ظل هذا المأزق الذي يعانيه البلد، كانت بكركي وسيدها على الوعد، في حين لا تقف الدول العربية وتحديداً الخليجية موقف المتفرج مما يجري، فهي تحاول البحث عن مخارج من هذا المأزق الذي لن يكون الخروج منه بالسهولة التي قد يتصورها البعض، مؤكدة أنه لن تقوم للبنان قائمة، إذا لم يحصل التزام فعلي من جميع الأطراف بالشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور والشرعية العربية والشرعية الدولية، وهذا طرح يحظى بدعم لبناني واسع، وبتأييد شامل من الأشقاء العرب والعالم .