لم توصل مسرحية الجمعة والسبت البرلمانية إلى أي بوادر حلّ للأزمة الحكومية، والتي يُتوقّع أن تزداد تعقيداتها إلى حدّ قول النائب ياسين جابر بعد خروجه من الجلسة النيابية إن “الخوف من أن نبقى بلا حكومة حتى نهاية العهد”.
حاول الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل، كل من موقعه، شدّ عصب جمهوره، لكن النتيجة واضحة وهي أن كل الخطابات الرنّانة لم تُطعم جائعاً أو تُدخل مريضاً إلى المستشفى أو تحل أزمة الدولار الذي يسلك مساره التصاعدي.
وفي هذه الأثناء، باتت السهام توجَّه إلى الرئيس الحريري بشكل أكبر بعدما كانت تستهدف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره باسيل، فالحريري بات بلا حلفاء بعدما كان فكّ تحالفه مع “القوات اللبنانية” واختار التحالف مع باسيل في الإنتخابات النيابية الأخيرة وأهداه 4 مقاعد… قبل أن تقع القطيعة.
ويتصرّف رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط بواقعية أكبر، فهو قد كشف صراحةً أن المملكة العربية السعودية لا تريد الحريري في السراي، وبالتالي فإن الأخير يخوض المعركة بلا غطاء إقليمي، ما جعل باسيل يستغلّ هذه النقطة. وأتت كلمة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد واضحة المعالم، فهي وإن صوّبت على عون والحريري في نفس الوقت، إلا أنها دعت الحريري إلى تقديم تشكيلة جديدة وإلا فليتّخذ القرار الشجاع.
وفي السياق، فقد ساند الراعي الرئيس الحريري طوال الفترة الماضية، وأيّد مطالبه علناً بألا يستحوذ أي فريق على الثلث المعطل، وأن تتألف حكومة من وزراء إختصاصيين وغير حزبيين، لكن بكركي ترى أن كلاً من عون والحريري غير قادرين على القيام بالواجب. وتنطلق بكركي، كما جنبلاط، من كلام قاله عون لهما بأنه لا يريد الثلث المعطّل، وبالتالي فإنه يجب على الحريري أن يعمل ليلاً ونهاراً من أجل الخروج بحل للأزمة الحكومية ويُقدّم تشكيلة تلو الأخرى، وإذا كان عون هو فعلاً المعرقل عندها ينكشف الأمر أمام الرأي العام، أما أن يستمرّ الحريري بعدم تقديم تشكيلة جديدة ويتمترس خلف متاريس طائفية ومذهبية من أجل شدّ العصب الطائفي واستعادة شعبية ما، فإن هذا الأمر سيؤدّي إلى مزيد من الإنهيار وسيطال جميع الفئات اللبنانية من دون إستثناء.
في بكركي عتب شديد على عون والحريري وباسيل وكل من يتعاطى الشأن الحكومي، فالبطريركية همها أن يأكل الشعب اللبناني العنب لا أن يُقتل الناطور، وهي لا تدخل في تفاصيل الخلافات الضيقة بل ترى الصورة الأكبر والسواد المقبل على الوطن، من هنا تؤكّد البطريركية أنه يجب أن يقوم أحد ما بفعل شيء، أما تمسّك كل من عون والحريري بموقفهما من دون الإلتفات إلى معاناة الشعب فإن هذا الأمر يُعتبر لامبالاة بمصير اللبنانيين وغياب الروح الوطنية.
وفي المعلومات أن الراعي سينشّط إتصالاته، وقد تكون له لقاءات مع الرئيس المكلّف ومع رئيس الجمهورية لطرح مخارج تقوم على قاعدة تسريع تأليف حكومة إختصاصيين مستقلّة بلا ثلث معطّل، وفي حال عدم عقد لقاءات ثنائية، فإن حركة الموفدين قد تنشط بين بكركي وبعبدا من جهة وبين بكركي و”بيت الوسط” من جهة أخرى، مع أن الأمل بتحقيق خرق ما ضئيل لأن لكل فريق متنازع حسابات داخلية وإنتخابية وطائفية وحتى إقليمية. وبانتظار معرفة نتائج إتصالات بكركي، يبدو الحريري في وضع لا يُحسد عليه، فهو غير قادر على التأليف وغير قادر على الإعتذار، وبالتالي فإن كل العراضات الطائفية ستسقط عندما يقع الإنهيار الأكبر، وعندها لن ينفع لا عون ولا الحريري ولا باسيل شعار “الدفاع عن حقوق طائفتي”.