Site icon IMLebanon

«حيادية» البطريرك الراعي… أين تصرف وكيف؟!

 

 

في السابع والعشرين من شباط الماضي ، اطلق البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، من الصرح البطريركي في بكركي، دعوة لافتة وغير مسبوقة، الى عقد «مؤتمر دولي» من اجل لبنان، الذي يعاني ما يعانيه من مصائب وو يلات وازمات، متعددة العناوين والمضامين… استلحقها بدعوة الى «حياد لبنان الايجابي»  وهو الرجل الذي اتصف، كمرجعية روحية، بالافصاح عن مكنونات صدره ومواقفه، من دون خجل او تردد او حسابات ضيقة…

 

سعى صاحب الغبطة جاهدا الى رفد دعواته وتزخيمها بتأييد داخلي وخارجي، فزار الفاتيكان، والتقى البابا فرنسيس لنحو ساعة تقريبا، مشددا على اهمية ان يسعى «الكرسي الرسولي»، بما له من مكانة عالمية، الى توفير الدعم الدولي للبنان وحياده… «كي لا يكون هذا البلد ورقة مساومة في اية حلول و توافقات دولية – اقليمية»  وهو الذي يعاني ما يعانيه من ازمات وهموم ومشاكل اقتصادية ومالية ومعيشية وسياسية، وهي ازمات برأي العديد من القيادات «لبنانية مئة في المئة» اوصلت غالبية اللبنانيين الى حالة من الفقر والجوع والبطالة المتفشية، ادت الى هجرة الالاف من الشباب والكفاءات، على نحو مقلق ومخيف… في ظل تعثر ولادة «حكومة الانقاذ» المطلوبة بإلحاح دوليا وداخليا…

 

يواصل سيد الصرح دعواته، والذين التقوه في الايام الماضية، خرجوا بقناعة ان هذا الرجل، بقدر تمسكه بالدعوة الى «التدويل» و»الحياد الايجابي»، بقدر ما يرفض عزل لبنان عن «دورة حياته» ومحيطه العربي  والاقليمي والدولي، القريب والبعيد، وقضاياه المصيرية، وبالتحديد قضية فلسطين، واللاجئين الفلسطينيين، كما والنازحين السوريين… «وقد ثقلت موازينهم» وهو يؤكد ان دعواته ليست موجهة ضد احد، بقدر ما هي استجابة لمطلب كثيرين في توفير الدعم الدولي لإخراج لبنان من ازماته المتراكمة، وباتت عميقة واكثر تعقيدا مما يتصور عديدون، وان كانت برأي مرجعيات نيابية – سياسية، «لبنانية  مئة في المئة..»

 

لم يفصح البطريرك المصدوم من اداء افرقاء الداخل ومواقفهم، وعلى وجه الخصوص رئاسة الجمهورية، عن الية دعوته الى «المؤتمر الدولي» كما و»الحياد الايجابي»، ومن الذي سيتولاها في ظل «الشغور الحكومي» المتمدد، والسؤال الذي يتردد على السنة متابعين، خلاصته: «هل هيأ البطريرك لهذه الدعوات بإتصالات دولية ومحلية، معلنة وغير معلنة، وما كانت النتيجة؟! وهو يعرف حق المعرفة، ان الاستجابة الداخلية اللبنانية، في بلد متعدد الثقافات والارتباطات والولاءات، كما والدولية، لنداءاته ومطاليبه، بالغة التعقيد والصعوبة، وشبه مستحيلة… بل مستحيلة، وهو الذي سعى جاهدا مع الكرسي الرسولي، لتحقيق رؤاه، استنادا الى «الاصدقاء واصحاب النفوذ في المحافل الدولية المعنية..» وتحديدا «الجمعية العمومية للامم المتحدة» و»مجلس الامن الدولي».

 

يدرك الجميع ان مسألة على هذا القدر من الاهمية والتعقيد، خاضعة لتوافقات، لا تقف عند «حدود الاكثرية والاقلية»، فكيف اذا كان افرقاء الداخل اللبناني منقسمون على انفسهم ومتعددوا الولاءات والارتباطات والمصالح، داخليا وخارجيا…؟! وقد شكلت ازمة تأليف الحكومة مادة سجالات يومية لم يغب عنها البطريرك الذي اتهم المسؤولين اللبنانيين بتعطيل تشكيلها «بسبب الصلاحيات وقلة المسؤولية…» لافتا ان «الشعب كان ينتظر ولادة حكومة فإذا به يشهد مسرحية تقاذف اعلامي…» ليخلص في عظته، اول من امس الاحد، لافتا الى «ان الوقت حان لان تحسم الدولة موقفها وتحصر اعترافها بالجيش اللبناني، دون سواه، مسؤولا شرعيا عن سيادة لبنان واستقلاله وسلامة اراضيه…»

 

لقد نظرت «مرجعيات روحية» متنوعة، الى دعوات البطريرك الراعي، بكثير من الحذر والتحفظ، مؤكدة ان لبنان دولة عربية  ومؤسسة لجامعة الدول العربية وعضو فيها… وان «الحياد في زمن الاحتلال الاسرائيلي ليس وطنيا ولن يكون في صالح البلد وشعبه، وخدمة السيادة و سلامة القرار الوطني…» رغم تأكيد هذه المرجعيات ان «بكركي تشكل رمز الشراكة الوطنية والعيش الواحد والسلم الاهلي على ارض واحدة…»

 

لم يستسلم البطريرك الراعي ولم يسلم بكل هذه التحفظات، وهو يكرر دعواته اسبوعيا، بل يوميا، الى «الحياد والتدويل» كي يتمكن لبنان، كوطن، من القيام برسالته لحوار الثقافات والاديان، وكمساحة للتلاقي والعيش معا، بالمساواة والتكامل والاحترام المتبادل بين المسيحيين والمسلمين… وبرأيه ان ما يدعو اليه «يمكن لبنان من تجنب الاحلاف والنزاعات والحروب، اقليميا ودوليا، كما ويمكنه من ان يحصن نفسه وسيادته بقواه العسكرية الذاتية…» والجميع على دراية بمخاطر ما يمر به لبنان، ولم تبق المؤسسة العسكرية بمنأى عنه، وقد اطلق قائد الجيش العماد جوزف عون «صفارة الانذار…»منبها الجميع، خلال مؤتمر دعم الجيش في فرنسا، قبل ايام، الى ان «الجيش هو المؤسسة الاخيرة التي لاتزال متماسكة وضمانة الامن والاستقرار…»