خَصّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «الجمهورية TV» بحديث مميّز لمناسبة إطلاق التلفزيون عبر الانترنت، موجهاً التهنئة للشعب اللبناني بولادة شاشة جديدة غايتها قول الحقيقة الجامعة، مؤكداً أننا «بحاجةٍ ماسّة لقول الحقيقة».
و»الجمهورية» بدورها تؤكد للبطريرك أنها ستكون ضَنينة على نشر رسالة بكركي ومواكبة سيّدها في تحقيق مشروع لبنان الجديد.
وأعلن البطريرك أنّ الأمور بلغت حالة الذوبان، وهذا أمر لا يمكن أن نسكت عنه. وقال: «نحن أمام جمهورية تموت، نحن أمام معمعة سياسية لا تعنيها إلّا مصالحها الخاصة ولا يعنيها أبداً ما وصل إليه شعبنا من ذلّ وجوع وتهجير، لكنّ «بكركي هي هي»، وأهمية بكركي أو البطريركية هي أن ليس لها حساب مع أحد وليس لها أن تؤدي حساباً لأحد، إلّا لربّها».
وتناولَ الاحتفالية التي أقيمت في بكركي لمناسبة مئوية العلاقة بين بكركي والسعودية، فلفت إلى انّ الإيجابية بين السعودية والبطريركية ليست جديدة، فالعلاقات بين البطريركية والسعودية ترقى الى سنة 1930 وبين السعودية واللبنانيين الى 100 سنة. وأوضح: «نحن أمام استمرارية علاقات طيّبة بين المسؤولين في المملكة ولبنان والبطريركية. هذا الحدث خدمَ لبنان وأطلّ بصوت لبنان وبقيمته من بكركي، وهو لخير كل اللبنانيين وليس فقط لبكركي».
وذكّر بأن «السياسة الخارجية اللبنانية لطالما كانت مبنية على التحييد وعدم الانحياز»، مؤكداً انّ «روما ستدعم الحياد بطريقتها الدبلوماسية». وقال: «نطلب ان يصل المؤتمر الدولي الى اعلان لبنان دولة حيادية تحترمها كل الدول وتحترم غيرها. فالبلد ينهار أمامنا ولا يمكن ان نقف مكتوفي الأيدي والأسرة الدولية لا يمكنها ان تبقى متفرّجة».
وأعلن الراعي أنّ «بكركي تتبنّى الثورة التي قام بها شبابنا وشعبنا، وهذا التبني للثورة هو لمعرفة إلى أين نذهب وكيف نصوّب وجهة النظر وأين نريد أن نكون. وهي أيضاً لفرز نخبة من المواطنين من نوعيةٍ أخرى».
ومَهّد البطريرك للقاء بكلمة من القلب، قال فيها:
«مجد لبنان أعطي له»، نتيجة صمود تاريخي بدأ مع القديس يوحنا مارون، عندما كان البطريرك يقود مسيرة شعب مدنياً وكنسياً، مدنياً بواسطة المقدّمين، وكنسياً بواسطة المطارنة. وكان هو القائد لهذه المسيرة التي بلغت إلى لبنان الكبير مع البطريرك المكرّم الياس الحويك. إذاً، هي مسيرة وبسبب هذه المسيرة من الصمود عبر كل العهود التي مرّت والاضطهادات والصعوبات وكانوا يتنقلون بين وادٍ سحيق وجبل عميق باحثين عن حريّتهم واستقلاليتهم وكانت المرحلة الاخيرة في وادي قنوبين حيث عاشوا 400 سنة بعيدين عن كل العالم. هي مسيرة طويلة ما جعلَ الشعب يعطي البطريرك هذه الكلمة من الكتاب المقدس «مجد لبنان أعطي له».
وعمّا اذا كان البطريرك الراعي يكمل المسيرة؟ أجاب: «يوم تنصيبي بطريركاً قلت في كلمتي: يسألونني ما هو برنامجي؟ أقول لهم برنامجي هو تاريخ أسلافي منهم من أُحرق حياً في طرابلس، منهم من صفع في قنوبين، منهم من حوصِر في إهدن حتى وفاته.
اليوم عندما نتحدّث عن الثورة التي قام بها شبابنا وشعبنا، بالطبع بكركي تتبنّى هذه الثورة وتشكر الله على قيام الشعب بها. وهذا التبني للثورة هو لمعرفة إلى أين نذهب وكيف نصوّب وجهة النظر وأين نريد أن نكون. وهي أيضاً لفرز نخبة من المواطنين من نوعيةٍ أخرى. وهذا كلام قاله القديس البابا يوحنا بولس الثاني انّ لبنان بحاجة الى نخبة جديدة في التجرد، العطاء والعمل السياسي، وكل يوم نشعر أننا بحاجة لهذه النخبة».
أضاف: «لكل بطريرك ظرفه، اليوم نحن أمام جمهورية تتنافر، جمهورية تموت، نحن أمام معمعة سياسية لا تعنيها إلّا مصالحها الخاصة ولا يعنيها أبداً ما وصل إليه شعبنا من ذلّ وجوع وتهجير. «بكركي هي هي»، هي صوت الكنيسة، هي من جهة تدين وتشجب، ومن جهة أخرى تشجّع، وتستمرّ في هذه المسيرة. وأهمية بكركي أو البطريركية هي أنها ليس لها حساب مع أحد وليس لها أن تؤدي حساباً لأحد، إلّا لربّها. ولذلك كلمتها حرة شجاعة لا تريد إلا خير لبنان وكل اللبنانيين بكل مقومات هذا الوطن وتعدداته.
• في بداية عهدك اعتمدت لغة الحوار، اليوم نرى المشهد مختلفاً يتناول التهديد والوعيد، ونشعر بأنك «رفعت العصا»، لماذا؟
الأمور بلغت حالة الذوبان، حالة نزاع وموت وهذا أمر لا يمكن أن نسكت عليه. «الكنيسة»، وهنا أتكلّم باسم الكنيسة، لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي أمام الذلّ، والظلم والجوع وهدم كل مكتسبات الماضي. نحن اليوم نعيش مئويّة لبنان الكبير، ما نشهده أننا امام هَدم هذه المئة سنة التي جعلت من لبنان سويسرا الشرق. لذلك هذه هي رسالتنا، وقلت: نؤدّي حسابنا إلى ربنا.
– عن مئوية لبنان مع السعودية بعد زيارة السفير البخاري وإعلانه من الصرح البطريركي عن خارطة طريق جديدة للبنان، لمسنا أنّ بكركي نجحت حيث فشلت الدولة بإعادة السعودية إلى لبنان، فهل لمست فعلاً إيجابية من سعادة السفير ممكن أن تكون عملية؟
الإيجابية بين السعودية والبطريركية ليست جديدة، فالعلاقات بين البطريركية والسعودية ترقى الى سنة 1930 وبين السعودية واللبنانيين الى 100 سنة. أنا دُعيت رسمياً إلى زيارة المملكة وزرتها، ولمستُ تأثّر جلالة الملك خادم الحرمين الشريفين وولي العهد بحالة لبنان البائسة. إذاً نحن أمام استمرارية علاقات طيّبة بين المسؤولين في المملكة ولبنان والبطريركية. ليس جديداً، وعندما كتب الاباتي ضو هذا الكتاب اراد السفير البخاري ان يجري احتفالاً في بكركي لإطلاق الكتاب، وهذا ما حصل.
نحن نؤمن انّ احداث الحياة ليست مجرد احداث، ينبغي ان نقرأها كعلامات زمن ونعطي معنى لعلاماتها، كما انّ تأليف هذا الكتاب لم يكن مبرمجاً وإطلاقه كذلك. نحن نقرأ علامات الازمنة اي نعطي معنى للحدث التاريخي، هذا له معنى. نحن يعنينا انّ هذا الحدث خدمَ لبنان وأطلّ بصوت لبنان وبقيمته من بكركي، وهو لخير كل اللبنانيين وليس فقط لبكركي.
واعتبر انّ مبادرة السفيرتين مرتبطة بالدولتين اللتين تمثلانهما، ونحن لا ننسّق عملنا مع سفراء الدول، إحتراماً للدول والسفراء. ولكن هذا لا نسمّيه صدفة، بل نسمّيه علامات الازمنة، اي نقرأ أحداث التاريخ بمعانيها. نحن لا ننسّق مع أحد، وفي موضوع الحياد ككلمة بحد ذاتها هي من طبيعة لبنان لأنّه يختلف عن كل البلدان فهو متعدد الثقافة والدين ومنفتح على كل الدول، لبنان يفصل بين الدين والدولة، وهو أرض الحريات العامة، هذا كله يعني انّ لبنان حيادي، اي لا يدخل في أحلاف وحروب ولا اصطفافات، ولذلك هو بلد صديق لكل البلدان باستثناء اسرائيل. إنما بالنسبة للبلدان الأخرى فلبنان منفتح على الجميع. هذا الدور أدّاه لبنان حتى سنة 75، واذا عدنا الى كل بيانات الحكومات المتعاقبة، نرى انّ السياسة الخارجية مبنية على التحييد وعدم الانحياز.
لقد قلتُ ذلك في عظة منذ سنة، فكانت ردة الفعل عارمة، ما يعني انّ اللبنانيين كانوا قد أضاعوا هويّتهم ومن ثم وجدوها. كما سبق وتحدّثتُ عن الحياد سنة 2012 ولم نلقَ أي ردة فعل، لكنّ ردة الفعل أتت فقط من بان كي مون، امين عام الامم المتحدة وأتى ممثّله إلى صرحنا هذا للتساؤل عن الحياد. إذاً، هذا من طبيعتنا.
• هل هناك إمكانية من ترجمة هذه الإيجابية عملياً؟
بمجرّد أن توَجّه لي دعوة من الممكلة لزيارتها رسمياً كبطريرك ورجل دين يدخل الى القصر الملكي، هذه علامة كبيرة، علامة لها دلالات كثيرة. كانت العلاقات في الماضي مبنيّة على المراسلات، أمّا دعوة موجّهة إلى البطريرك واستقباله استقبالاً رسمياً، فهذا دليل على ما ذكرته. ونحن نريد مواصلة هذه العلاقات في سبيل لبنان، لا في سبيل البطريركية.
• كيف ستدعم روما الحياد وهل اقتنعت به؟
طبعاً، وستدعمه بطريقتها الدبلوماسية. يكفي مراقبة خطاب قداسة البابا وخصوصاً خطابه الأخير، عندما نتحدث عن الحياد، فذلك يعني أنّ لبنان لا يدخل بأحلاف وحروب وصراعات، لكي ينصرف الى رسالته، رسالة مكان الحوار والتلاقي والانفتاح وأرض الاستقرار والمصالحات وهذا دور لبنان. ما يستدعي ان يكون لبنان سيّد نفسه، لديه جيشه وسيادته وقواه الداخلية، يفرض سيادته في الداخل لأنّ لدينا دويلات كثيرة وجمهوريات، ويستطيع احترام سيادة غيره ويستطيع أن يدافع عن نفسه بقواه الذاتية في وجه أي اعتداء آخر سواء من اسرائيل او من غيرها من البلدان. ويحمل القضايا العربية والمشتركة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. يوم كان لبنان بلداً حيادياً، كان مزدهراً ويعيش في بحبوحة، وعندما فقدنا الحياد بتنا نعيش في ذل وفقر وجوع.
من يقرر في الفاتيكان هو قداسة البابا، ولا أحد يمكنه ان يقرر إلّا هو. وفي الأمور السياسية لا أحد يمكنه التحدث او إبداء رأيه إلّا قداسته.
• أين أصبح المؤتمر الدولي؟
فكرة المؤتمر الدولي جاءت لاحقاً، عندما رأيتُ أن ليس هناك من حوار إطلاقاً بين المسؤولين، وخصوصاً بين فخامة رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، لأنهما لا يتقابلان، ما أدّى إلى خراب البلد. عندما كانت تحصل خلافات في البرلمان اللبناني والحكومات، في أعقاب اتفاق الطائف، كانوا يأجّلون النقاط الخلافية ما أدى الى انفجار البلد كلياً وليس هناك حوار او تفاهم. لذلك طرحت المؤتمر الدولي ليتمكّنوا من حل المشكل، فهذا الموضوع حيوي مثل موضوع الحياد.
كُثر حاولوا التهويل بعد طرحنا هذا، نحن قلنا انّ هناك مواضيع اساسية محددة، أولاً: قرارات مجلس الامن لم تطبّق، طبّقوها لأنها ترتبط بسيادة لبنان على كامل أراضيه، وترتبط بشأن الاسلحة المتفلّتة. ثانياً، النقاط الخلافية الناتجة عن عدم تطبيق اتفاق الطائف بكل نصوصه لا تسمّوها مَسّاً بالطائف لأنها استكمال لتطبيقه. ثالثاً، نطلب ان يصل هذا المؤتمر الى اعلان لبنان دولة حيادية تحترمها كل الدول وتحترم غيرها، فالبلد ينهار أمامنا ولا يمكن ان نقف مكتوفي الأيدي والأسرة الدولية لا يمكنها ان تبقى متفرّجة.