أين أصبحت علاقة «حزب الله» وبكركي بعدما لفحتها الرياح الحارة التي هبّت من الجنوب أخيراً؟ وهل نجح أمينه العام السيّد حسن نصرالله في نَزع فتيل الأسوأ بعد إطلالته التوضيحية العاشورائية؟
ليس خافياً انّ الخلاف السياسي بين «حزب الله» وبكركي هو واسع وعميق، لا سيما حول الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بملف المواجهة مع إسرائيل، وسط تَعارض شديد في مقاربة قواعد مُحاكاة هذا التحدي والتعامل معه.
وقد تَمظهَر هذا الخلاف مجدداً، وبشكل حاد، بعد الانتقادات التي وجّهها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى عملية قصف المقاومة لمحيط مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة رداً على غارات استهدفت الجنوب، داعياً الجيش اللبناني الى منع إطلاق الصواريخ. وسرعان ما هَبّت عاصفة من ردود الفعل الغاضبة والرافضة لموقف الراعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي المؤيّدة للمقاومة، واجَهها داعمو البطريرك بموجة مضادّة من التضامن والتعاطف معه. وحتى رئيس الجمهورية ميشال عون و»التيار الوطني الحر» غادرا المنطقة الرمادية، واعترضا على الهجوم الذي تعرّض له الراعي وأبلغا إليه استنكارهما لمحتواه.
وعلى رغم كل محاولات ترتيب العلاقة بين بكركي والحزب و»ربط النزاع» خلال المراحل السابقة، صار واضحاً انّ الهوّة التي تفصلهما هي أكبر من أن تردمها المجاملات في المناسبات، أو الاجتماعات المتفرقة والمتقطعة للجنة الحوار المشتركة التي تضمّ ممثلين عن الطرفين.
لكن، وعلى رغم انّ «حزب الله» يقرّ ضمناً بأنّ التفاهم مع بكركي متعذّر حتى إشعار آخر، وانّ الحوار بينهما يبدو غير منتج قياساً على حصيلة التجارب السابقة، الّا انه يُحاذر في الوقت نفسه إقفال خط الرَجعة وفَتح «جبهة» من قبله على البطريركية المارونية، لاقتناعه بأنّ اي مواجهة جانبية من هذا النوع ستكون عَبثية ومن دون جدوى، بل انّ أي هجوم انفعالي على بكركي، خارج المألوف في التخاطب والاختلاف، سيؤدي الى اصطفاف طائفي وشَد عصب فئوي، من شأنهما الإضرار بمصلحة المقاومة وليس خدمتها، كما يؤكد قريبون من الحزب.
واستناداً الى هذه القاعدة، اتّخَذ «حزب الله»، بعد عظة الراعي المُنتقدة لعملية المقاومة، قراراً بعدم الرد عليه وبتفادي الدخول في سجال مباشر معه على مستوى كل الأطر الحزبية المعنية بتنفيذ قرار القيادة، معتبراً انّ الأفضل هو تجاهل الأمر وغَض الطرف عنه.
امّا مواقع التواصل الاجتماعي المَحسوبة على البيئة الحاضنة للمقاومة فقد أفلتَ بعضها من الضوابط وذهبَ بعيداً في الهجوم على الراعي، وهو الأمر الذي تلقّفه خصوم «حزب الله» لتحميله المسؤولية عن الحملة ضد البطريرك من جهة، ولإحراج حليفه البرتقالي في الساحة المسيحية من جهة أخرى.
هنا، ومع شعور الحزب بأنّ ما جرى في العالم الافتراضي تحوّل مادة للتوظيف السياسي والانتخابي ضد الحزب والتيار، قرّر الامين العام السيّد حسن نصرالله أن يحسم الالتباس، مُعلناً رفض التعرّض للبطريرك او لغيره بالشتائم والتوهين من غير إلغاء الحق في الاختلاف مع الرأي الآخر ومناقشته بالسياسة.
وعُلم انّ الحزب أبلغَ إلى كل مَن راجَعه في مسألة الردود على الراعي، أنه لا يتحمّل مسؤولية ما يصدر عن العالم الافتراضي، وانه يملك الشجاعة اللازمة لتظهير مواقفه بالطريقة المناسبة وعبر الأطر الملائمة، عندما يكون ذلك ضرورياً. وبالتالي، هو ليس من النوع الذي يتلطّى خلف شبكات التواصل الاجتماعي لإيصال الرسائل.
ويؤكد المطلعون انّ تدخّل نصرالله شخصيّاً لاحتواء تداعيات الحملة على الراعي، إنما انطلق من الاعتبارات الآتية:
– الاعتراض المبدئي على التجريح الشخصي بالبطريرك، واستخدام أدبيات لا تتناسب وقاموس الحزب، الواثِق في أنّ هناك من الادلة والبراهين ما يكفي للدفاع عن قضية المقاومة من غير الحاجة إلى استعمال أسلحة مُحرّمة أخلاقياً.
– منع أي فتنة شيعية – مسيحية محتملة على غرار سَعي الحزب الدائم الى التصدي للفتنة الشيعية – السنية، لمعرفته بأنّ الاشتباك الطائفي او المذهبي يشكّل الخطر الاكبر على مشروع المقاومة.
– تخفيف الحَرج والضغط عن عون والتيار الحر في الوسط المسيحي.
– الحؤول دون إعطاء الفريق الآخر فرصة لاستغلال التصويب على الراعي من أجل التعبئة الانتخابية وتحقيق مكاسب شعبوية.