لا يمكن التكهّن بالسقف الذي ستصل إليه إنتفاضة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لأن كلامه في عظاته بات يخرق كل السقوف.
كسر البطريرك الراعي في تموز من العام الماضي كل المحرّمات وأحدث صدمة في الحياة السياسية اللبنانية وأنتج دينامية جديدة بعد اليأس الذي يسيطر، مفتتحاً مرحلة جديدة من تاريخ النضال السياسي.
بـ”الحياد” وفكّ أسر الشرعية والدعوة إلى مؤتمر دولي لحماية لبنان قلب الراعي كل المقاييس وباتت هذه العناوين عناوين المرحلة المقبلة وخشبة خلاص من الوضع الراهن الموجود.
وارتفع منسوب المواجهة في البلاد بعدما صوّب الراعي البوصلة على المشكلة الأساس وهي وجود “دويلة” تضرب أسس الدولة وترعى الفساد، شرط تأمين مصلحتها الإستراتيجية المرتبطة بدولة غريبة.
وكانت عظة الاحد الأخيرة أكثر من موجّهة، فقد سمّى البطريرك الأمور بأسمائها وانتقد سلاح “حزب الله” حيث اعتبر أنه لا يجوز ادعاء السيادة والمعابر غير الشرعية باتت مشرّعة، ولا يجوز ادعاء الشرعية وهناك من أنشأ جيشاً بديلاً للدفاع عن دولة ثانية.
سقطت كل المحرمات عند سيّد الصرح، وتصف بكركي ما يقوم به الراعي بما قام به سلفه البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، فقطار تحرير لبنان إنطلق ولا يمكن لأحد إيقافه. يحمل الراعي على كاهله مسؤولية حماية الكيان وصونه وتحريره، وتعتبر بكركي المعركة اليوم أكثر من شرسة وتحتاج إلى الصمود والصبر، وقد تكون اصعب من سابقاتها لأن المشكل في الداخل وفي البيت.
ينطلق الراعي في رفع مستوى كلامه مما يحصل، إذ يرى كيف ان “الدويلة” تنهش الدولة وكيف أن معظم السياسيين يستسلمون لهذا المنطق، مثلما استسلم القسم الاكبر منهم سابقاً للإحتلال السوري، لذلك لم يعد جائزاً بقاء الوضع على ما هو عليه. ومن جهة ثانية، فان “حزب الله” لا يعطي مؤشراً مطمئناً للداخل بأنه على إستعداد للدخول في مشروع الدولة وسيتخلى عن مشروعه الخاص، بل إن كل تصرفاته تدل على تنفيذه الأجندة الإيرانية وأنه لا يقيم أي اعتبار لوجود دولة.
وقد تكون قضية إستيراد المازوت الإيراني أحد أهم الأسباب التي تجعل البطريرك يكرر تحذيراته من وجود “الدويلة” وجيش ثانٍ رديف للجيش اللبناني، اللبناني الشرعي، خصوصاً أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يرددها على العلن أن تمويله وعقيدته وسلاحه من إيران كذلك فان المسؤولين الإيرانيين يصرحون دائماً أن “حزب الله” جيش يأتمر بهم.
حسم سيّد بكركي أمره في الدفاع عن الدولة وعدم السماح “ببلعها” والتسليم بالأمر الواقع، لذلك فان سقف الخطاب سيكون مرتفعاً في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الرفض الداخلي هو أساسي بعدم التسليم بالأمر الواقع.
وفي السياق، فان هناك قوى بدأت تدرس خيار توحيد الصفوف من أجل مواجهة تحديات المرحلة المقبلة بالسقف الذي حدده البطريرك من دون مسايرة أو خوف مما قد يحصل.
والجدير ذكره أن العلاقة بين بكركي و”حزب الله” تمرّ بأصعب أيامها وهي مقطوعة، في حين ان البطريرك يعتبر ان مطالبه هي لكل الشعب اللبناني وليست لفئة دون أخرى.