مفاوضات ڤيينا والحرب الأوكرانية تُبقيان لبنان في مرحلة الانتظار
صحيح أن الماكينات الانتخابات لمختلف القوى السياسية والذين يودون خوض غمار هذه الانتخابات قد انطلقت وإن بوتيرة خفيفة في المدن والقرى على مساحة لبنان، غير أن أياً من السياسيين لا يجزم بأن هذا الاستحقاق سيحصل في التوقيت المحدد له في أيار المقبل، ويعزون التحضيرات الجارية لهذه الغاية بأنها من باب الاستعداد لمواكبة أي طارئ في ضوء ما يحصل من تطورات في الداخل، وما يجري خلف البحار، ولذا فإن الذين توجهوا إلى وزارة الداخلية لتقديم طلبات الترشيح ما زالوا قلة قياساً لما كان يحصل في استحقاقات سابقة.
ولأن اللبنانيين كعادتهم يربطون مصير أي استحقاق داخلي بنتائج أي تطورات تحصل على المستويين الإقليمي والدولي، فإن غالبية المسؤولين لا يعطون اجابات واضحة حول إمكانية حصول هذه الانتخابات من عدمه، ويكتفون بالاشارة إلى ان مصير هذه الانتخابات ما بين.. بين، ويرون في هذه العبارة أفضل ردّ للتهرب من تحمل أي مسؤولية في معرض الإجابات، لا بل إن بعض المسؤولين يرون أن كل ما يقال حول الانتخابات النيابية لا يعدو كلاماً بكلام في سياق تعبئة الوقت، وأنه قبل نهاية آذار لن يكون المشهد الانتخابي قد اتضح بصورته النهائية، أي بعد أن تكون اللوائح قد اكتملت وتقدّم من تقدّم بترشيحه لخوض هذا الاستحقاق.
غالبية الأفرقاء تريد تأجيل الانتخابات ولا أحد يجرؤ على المجاهرة بهذا الموقف
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية أنه وفق ما تملك من معطيات، فإن غالبية القوى السياسية الممثلة في الندوة البرلمانية ترغب بأن تبقى الأمور على حالها وأن لا تجري الانتخابات في هذه الظروف الضبابية، لكن لا يجرؤ أي طرف أن يجاهر بهذه النوايا لأنه لا يستطيع تحمل وزر ذلك أمام الرأي العام اللبناني الذي تجنح غالبيته في اتجاه حصول تغييرات سياسية جوهرية تؤدي إلى نقل الواقع اللبناني الراهن من حال إلى حال، كما انه لا يستطيع الوقوف في مواجهة المجتمع الدولي الذي يضغط بقوة في اتجاه اجراء الانتخابات النيابية التي يرى فيها بداية لاجراء الإصلاحات المطلوبة لغاية مساعدة العالم لبنان للخروج من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي رأي المصادر أنه في ذروة التأزم الحاصل في أكثر من مكان وحيال أكثر من ملف، وفي الوقت الذي لا يُمكن لأحد أن يتكهن بما ستؤول إليه الحرب الروسية – الاوكرانية والمدى الذي ستبلغه وما سينتج عنه من تداعيات على مستوى العالم بأسره، فإن الوضع اللبناني سيبقى في دائرة الارباك، وبالتالي لن تكون له القدرة على سلخ أوضاعه الداخلية عمّا يجري في الخارج، وهذا ما يجعل أصحاب القرار في لبنان ينكفئون عن الإجابات الواضحة والصريحة عن مصير الانتخابات المقبلة.
وتتوقع أن تتبلور صورة مشهد الانتخابات بعد الزيارة المرتقبة لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الذي استبق زيارته المقررة إلى لبنان بحمله مواقف تخص لبنان ومنها التشديد على استقرار لبنان وصولاً إلى اجرّاء الانتخابات في أجواء بعيدة عن أي ضغوطات أو مؤثرات، وذلك في إشارة واضحة الى رغبة باريس في حصول هذه الانتخابات، مشيرة إلى أن السفيرتين الأميركية والفرنسية دعتا خلال زيارة قامتا بها إلى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أن يُشدّد في عظاته وخلال لقاءاته السياسية على ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، وهذا أيضاً يعطي انطباعاً، ورغم الشكوك الحاصلة، بأن الدول الكبرى تنحاز إلى جانب حصول هذا الاستحقاق الذي يعد خطوة في رحلة الألف ميل الإصلاحية.
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن لبنان ربما يكون امام مرحلة من الانتظار الطويل كونه منقسماً على نفسه، حيث أن مفاوضات فيينا حول الملف النووي لم تنتهِ بعد، والحرب الروسية – الاوكرانية لم يُعرف بعد مدى انعكاساتها، وهي حكماً ستكون حرباً طويلة وربما تمتد خارجاً في ظل صمود أوكرانيا ووقوف العالم إلى جانب هذا البلد، فحتى سويسرا لأول مرّة منذ العام 1850 أخذت قراراً انحازت فيه إلى جانب العقوبات الاميركية على روسيا، كل ذلك يدفع في اتجاه القول بأنه ليس من المنطق أن يعلق لبنان الحلول لمشاكله على ما يجري في العالم، وعليه الإسراع في ترتيب بيته الداخلي مخافة أن يكون من بين الدول التي ستدفع ثمن صراعات الدول الكبرى، وإن كانت الوقائع السياسية اللبنانية تفيد بأنه حتى الساعة الحلول الداخلية مستحيلة، عدا عن أن الحوار مستعصب وأن نتائجه ليست مؤكدة بأنها ستصب في صالح وحدة لبنان في ظل الانقسام السياسي الذي ينعكس سلباً على البلد، ناهيك عن أن الأطراف اللبنانية التي تعتبر نفسها سيادية ما زالت لا تتعاطى مع الامور من موقع القضايا المصيرية، بل من منطلق التغيير النيابي وليس حتى السياسي، فحسابات هذه القوى ما زالت صغيرة ولا ترتفع إلى مستوى القضايا المصيرية، وكأنها تراهن على تغيير من خلال الانتخابات النيابية، وتالياً الرئاسية، أو انها تنتظـر تطورات إقليمية لمصلحتها وهذا ما يعقّد الأمور.