IMLebanon

البطريرك العربي

 

 

ما ورثه البطريرك بشارة الراعي من إرث كنسي متجذّر في تاريخ العلاقة مع العالم العربي، يسمح بالقول إن البطريرك الماروني يستكمل بجدارة إعلاء بنيان هذا الإرث. لا تخلو عظة او موقف له في السنوات الاخيرة من التنبيه الى خطورة جرّ لبنان إلى موقع معادٍ للعالم العربي، وإلى عزله وقطع شرايين هذه العلاقة، التي بدأت في شقها السعودي مع العائلة السعودية، وللمفارقة التاريخية تأخذ شكلاً متطوراً منذ العام 2012، أي قبل تأسيس المملكة، واستمرت بنفس الوتيرة بعد التأسيس، فسبقت العلاقة الرسمية بين الدولتين.

 

تنظر البطريركية المارونية الى العلاقة مع السعودية من زاوية الصداقة والاحترام والندية، وكلها ناتجة عن سياسة المملكة تجاه لبنان التي تميزت بالحرص على سيادته واستقلاله ومساعدته، واحياناً كثيرة كانت السعودية تقف في وجه محاولات هز الاستقرار في لبنان، الناتجة عن إقحامه أكثر مما يحتمل في ملف الصراع العربي ـ الاسرائيلي.

 

سبق للمملكة أن واكبت نهاية الحرب في لبنان بالتنسيق مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وانتجت مؤتمر واتفاق الطائف، وهي تستكمل مع البطريرك الراعي رعايتها للحفاظ على جوهر اتفاق الطائف، وضمان عدم سقوط لبنان في محظور المجهول، وبروز الشهيات الكامنة لتعديل النظام وتوازناته وصعودها من تحت الطاولة الى السطح.

 

في الزيارة الأولى للبطريرك الراعي الى السعودية، كان الإعداد على قياس الحدث كونه الاول من نوعه، وأصرّ الراعي يومها على إتمامها بالرغم من تزامنها مع استقالة الرئيس سعد الحريري، وبالرغم من كل الضغوط التي مورست وصل البطريرك الى الرياض، والتقى الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، وكان لقاء استشهد فيه ولي العهد بنصوص وأدبيات مرتبطة بالعلاقة الثنائية التاريخية.

 

لم تستكمل نتائج تلك الزيارة كما يفترض بسبب تتابع الاحداث في لبنان، لكن الراعي واكبها بسلسلة محطات على المستوى العربي، كان آخرها زيارة القاهرة التي التقى فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعدما شارك في مؤتمر والتقى رعيته المارونية المصرية.

 

هذا ما يفترض أن يحصل في السعودية بعد عيد الفطر، حيث سيزور الراعي المملكة مشاركاً في أحد المؤتمرات، ثم سيلتقي على الارجح القيادة السعودية، حيث ستستكمل نتائج الزيارة الاولى، وسيتم التطرق الى الملف اللبناني والعلاقات الثنائية خصوصاً في مرحلة ما بعد عودة السفراء العرب الى بيروت.

 

تحتل البطريركية المارونية موقعاً مرموقاً في العالم العربي. لم يسبق ان زار مسؤول عربي لبنان الا وكانت له زيارة الى بكركي، أو لقاء مع بطاركتها. في الذاكرة الحديثة يحضر اللقاء الذي نظم في بكركي برعاية سعودية لكتاب الأب انطوان ضو، الذي نسقه الصحافي نوفل ضو، لتبيان مدى عمق هذه العلاقة، التي باتت خلال بطريركية الراعي في أوجها، مع استمراره في معارضة كل أشكال الاساءة التي تصدر من «حزب الله» وحلفائه ضد السعودية.

 

لم يسبق أن حاز خطاب الكنيسة على هذا الكم من التأييد العربي الذي بات أقرب الى التطابق خصوصاً بعد المبادرة الكويتية التي حملت العناوين نفسها التي تعمل من اجلها الكنيسة، وتحديداً في ما يتعلق باستقلال لبنان وسيادته ورفض السلاح غير الشرعي وتطبيق الدستور والقرارات الدولية، وأخيراً الحياد الذي يلقى ترحيباً عربياً، باعتبار أن المصلحة العربية تقود الى تأييد هذا الحياد، بحيث لا يطلب من لبنان الا ان لا يكون شوكة إيرانية في خاصرة العرب.

 

يسلك البطريرك الراعي في زيارته الثانية للسعودية الاوتوستراد العربي المفتوح على كل انواع التعاون، ولن يكون مبالغاً وصفه بالبطريرك العربي، المؤتمن على علاقات تاريخية، من الممكن ان تؤثر فيها سلباً محاولات تخريب مبرمجة، لكن من الصعب استئصال جذورها، كما يتمنى فريق إيران في لبنان.