Site icon IMLebanon

أسئلة مشروعة وملغومة

 

كيف يكونُ حيادٌ ونحن في صراع مع عدو لا يتوقف عن انتهاك سيادتنا؟ وكيف نحايد فيما فلسطين ترزح تحت حكم الصهاينة والقدس تحت اقدام المحتلين؟

 

أسئلة مشروعة وملغومة من هذا القبيل طرحها عديدون بعد نداء البطريرك الراعي التاريخي في 5 تموز. بعضهم يرغب في جواب فعلي ومنطقي. وبعضهم، خصوصاً من يرفعون لواء “المقاومة الى الأبد” إنطلاقاً من موقف ايديولوجي وسياسي، يريدون سجالاً تحت مظلّة حوار عقيم. أما السفهاء و”جيش الحمقى” على وسائل التواصل الاجتماعي فلا ضرورة لأخذهم في الاعتبار مع أنهم باتوا كثيرين.

 

الجواب على السؤالين واحد في الجوهر، لكن الردّ على السؤال الأخير عن علاقتنا بالقضية الفلسطينية سهل وبسيط انطلاقاً من التزام “حياد لبنان” ما تقرّره جامعة الدول العربية، وإصراره معها على تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين، وعدم تحميله إلا قدر ما يستطيع بعدما دفع ثمناً للقضية القومية حرباً أهلية لا يمكن “الزعبرة” بحصر تبريرها بعناصرها الداخلية.

 

أما بيت القصيد فهو ترسيخ القناعة بأن “الحياد” هو طريق انقاذ لبنان من كارثته الاقتصادية وانهياره المالي، ويؤسس لدولة تملك قرار السلم والحرب وقادرة في الوقت نفسه على الدفاع عن ارضها في وجه أي عدوان اسرائيلي.

 

لعلّ التوتر المستجد في الجنوب دافع أقوى لطرح مسألة الحياد وليس حجّةً لاعتبارها غير مجدية أو غير ملائمة لطبيعة الصراع أو متناقضة مع متطلبات “العزة” الوطنية، فمع ان جوهر الحياد هو الأمان والسلام، فإن ما طرحه غبطة البطريرك عنوانٌ عريض خلاصته ومآله قيام الدولة المكتملة الأركان ذات الجيش الواحد والسلاح الواحد والموقف الاستراتيجي والتكتيكي الواحد، الدولة التي لا تستهين بالكرامة الوطنية بل تدافع عن نفسها وفق مصالحها العليا ومصلحة شعبها ولا تكون رهينة توقيت محور اقليمي. ومَن يعتبر الطرح تجاوزاً للواقع وانقلاباً على تضحيات المقاومة، فليتذكّر اولاً انّ “حزب الله” لم يطلقها، بل احتكرها لضرورات دمشق وطهران… ثم ما مِن مقاومةٍ في العالم، مهما بذلت من تضحيات، إلا وانتهت مهمتها النبيلة بزوال الاحتلال وقيام الدولة المسؤولة عن متابعة النضال بكلّ الوسائل الشرعية لاستكمال الأهداف الوطنية.

 

واقع الأمر ان “حزب الله”، ومعه رئيس الجمهورية وسائر قوى 8 آذار، هم الذين أوصلوا البطريرك الى رفع الصوت والمطالبة بالحياد القانوني والموضوعي المضمون أممياً. وما كانت أكثرية اللبنانيين لتعتبره حلاً إنقاذياً وتسير بركاب بكركي لولا عيلَ الصبرُ إزاء التنكّر لموجبات اتفاق الطائف بحلّ كل الميليشيات، وإزاء رفض الدخول في حوارٍ جدي حول “استراتيجية الدفاع” وصولاً الى احتقار مبدأ “النأي بالنفس” و”إعلان بعبدا”، بل تكريس الدور العسكري الاقليمي لـ”حزب الله” بالتوازي مع ثبوت أنّ تدهور الأوضاع الاقتصادية ناجم خصوصاً عن تبادل الغطاء بين الفساد والسلاح.

 

لا نتوّهم بأن مطلب الحياد سيتحقق غداً ليحمي لبنان ويحول دون احتمال وقوع حرب في المدى المنظور بين اسرائيل و”حزب الله” تكون تداعياتها الكارثية على البلاد كلّها، لكنّه حتماً برنامجٌ غير قابل للنقض كونه يفتح باب الأمل بدولة طبيعية سيدة تنهض من الركام وتنعم بالاطمئنان أياً كانت التطورات والأثمان.