مرة جديدة، يبرهن التحالف الطبقي الحاكم عن قدرته، مدعوماً من قوى إقليمية ودولية، على إعادة إنقاذ نظامه الطائفي، على حساب الدولة والكيان الوطني وخاصة على حساب الشعب اللبناني ومصالحه.
فهذا التحالف ونظامه، مسؤولان عن الوضع الأمني المهدد في الداخل وعلى الحدود اللبنانية، سواء مع العدو الإسرائيلي مباشرة أو عبر دعم التحركات الإرهابية وأيضاً على الحدود السورية، المستباحة من قبل قوى الإرهاب والممولة من قبل الرجعية العربية وتركيا، حلفاء المشروع الأميركي الذي يهدد المنطقة واليوم يهدد وحدة سوريا ومصير لبنان.
وهذا التحالف ونظامه، مسؤولان عن تردي الوضع المعيشي الذي يعيشه المواطن اللبناني على كل المستويات. من هدر حقوق الموظفين والمعلمين ومن تهجير الفقراء من مدنهم باتجاه المجهول والتشرد، الى تعميم الفساد ليطال حياة المواطن في صحته وكذلك المسؤولية الكبرى في تدمير الاقتصاد الوطني وتوازنه لمصلحة قوى رأس المال المالي والريعي التابعة للخارج.
وهذا التحالف ونظامه، مسؤول بشكل رئيسي عن تدمير مؤسسات الدولة. فهو الذي ينتظر التوازنات الإقليمية لملء الفراغ الرئاسي، وهو المسؤول عن حكومة التوازن الهش، وبالتالي المسؤول عن جعل المؤسسة التشريعية، بفعل التمديد المتكرر وبفعل القانون الانتخابي، مؤسسة كاريكاتورية يمدد لتعطليها وعجزها المستمرين. وخاصة التحالف ونظام المحاصصة الطائفية، مسؤولان عن تدمير السلطة القضائية وفقدان مصداقيتها عبر التبعية المفروضة بمنطق التعيين على المؤسسات القضائية وتجربة المجلس الدستوري خير مثال.
وهذا التحالف ونظامه، مسؤولان عن ضرب هيبة الأجهزة الأمنية وجعلها جزءاً من المحاصصات التي تعطل دورها.
ورغم ذلك لا بد من الإقرار بأن الوضع الإقليمي وتوازناته، أنقذ مرة جديدة هذا النظام وتحالفه الطبقي، عبر التمديد غير الشرعي لمجلس النواب.
* * *
وفي التسمية المباشرة، لا يمكن استثناء أية شريحة من شرائح النظام من هذه المسؤولية.
فجأة، تحولت الأولوية، عند الجميع من أولوية دعم الجيش ومواجهة الإرهاب. ومن أولوية الاهتمام بقضايا الناس، ومن أولوية إجراء الانتخابات النيابية (“ولو على جثتي”) كما طرح بعض التيارات اللبنانية، ومن أولوية مواجهة التآمر الخارجي وخاصة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي والمشروع الإرهابي، تحول كل ذلك الى أولوية واحدة، إنقاذ النظام التحاصصي الطائفي ولو على حساب الدولة والكيان الوطني والشعب اللبناني وقيم الديموقراطية. فاستنفر الجميع للحفاظ على هذا النظام الطائفي وإنقاذه فتوحد أضداده من أجل الإنقاذ.
وحتى القوى التي لم تحضر الجلسة، رغم تميزها عن الأكثرية الحاضرة، بقي دورها في إطار معالجة مرضى السرطان بالأسبيرين. عبر غياب أي فعل حقيقي يمنع هذا التمديد أو يرفض مفاعيله.
وفي إطار هذا العرض، لا بد من الإشارة الى الدور السلبي الذي لعبته تصريحات بعض رجال الدين، والتناقضات الخطيرة داخلها. إن إعطاء الأولوية بالرفض للمؤتمر التأسيسي والحملة عليه من قبل أبرز رجال الدين، أدى الى تدعيم فرص التمديد للمجلس وللنظام الذي أدى الى ضرب مصالح الوطن.
إن رفض التمديد، يبقى شكلياً وسطحياً إذا لم يقترن بالدعوة للعمل من أجل عمل إنقاذي، أولويته الوطن والشعب وليس المصالح الفئوية والطائفية والمذهبية الضيقة. فلا وجود رئيس للجمهورية أو عدمه سيعيد للفقير المسيحي وللمواطن المسيحي حقوقه المسلوبة من قبل التحالف الطبقي الحاكم وكلها خروقات جرت بوجود “الرئيس المسيحي”، أيا كان الرئيس وبالتوافق معه. كما أن وجود رئيس للوزراء ولمجلس النواب لم يعد يوماً حقوق المواطن السني أو الشيعي. ولا انتخابات على قاعدة قانون الستين ستعيد هذه الحقوق. فانتخابات على قاعدة هذا القانون، كانت ستشرع لتمديد مقنع، لأن نتائجها ستكون شبه متطابقة للمجلس الحالي. فالذي ضرب الديموقراطية وشوّه التمثيل الشعبي هو هذا القانون أو ما شابهه أو سيشابهه من قوانين.
إن استعادة حقوق المواطن وبالتالي الوطن، هي في إعادة الاعتبار للانتماء الوطني على حساب منطق “الرعية” المكرس في النظام الطائفي، والذي أعيد تثبيته معدلاً في اتفاق الطائف والدوحة وكل الاتفاقات المترافقة مع الحروب الأهلية الممهورة دائماً بأختام اقليمية ودولية يتيحها هذا النظام ويستقوي بها..
ليس التمديد وحده خيانة، بل التمسك بنظام يبرر الخيانة، ويجعلها وجهة نظر، هو أيضاً خيانة يا غبطة البطريرك.
* * *
ولا ننسى حكماً مسؤولية قوى التغيير عن تسهيل هذا الإجراء ونحن منها. إن ضعف الإمكانيات لا يبرر التقاعس عن القيام بحراك شعبي متراكم لمنع التمديد، ولا الانشغال بالمناسبات الفئوية والأوضاع الداخلية لقوى التغيير، يشكل مبرراً كافياً لهذا التقصير.
إن هذا الغياب، جعل التحركات الرافضة للتمديد، والتي نوجه التحية لكل من ساهم بها، فاقدة للحصانة السياسية، في الوقت الذي استطاع الإحباط، والجو الطائفي إفقادها الحصانة الشعبية. نعم إن هؤلاء العشرات من الشبان، يستحقون التحية على مبادرتهم، رغم ملاحظتنا على حصر مطالبتهم، أو مطالبة بعضهم، بالانتخابات بأي ثمن.
إن الذي حدث، يجب أن يشكل منطلقاً لتحركات جديدة، وبغض النظر عن ميزان القوى. تحركات تنطلق من ضرورة تغيير فعلي باتجاه ديموقراطي. باتجاه بناء دولة وطنية ديموقراطية. وفي هذا الإطار تشكل لقاءات المبادرة الوطنية للإنقاذ، أحد المظاهر المفترض تطويرها ليس على مستوى المناطق فقط بل على مستوى القطاعات أيضاً.
وإلى ذلك، تبقى التحركات الشعبية المواجهة للقهر وللفساد والمطالبة بحقوق الموظفين والعمال، على قاعدة ما حققته هيئة التنسيق بتراكم نضالها وكذلك التحركات العمالية، أساساً لوضع الأسس الاجتماعية لبناء الدولة، دولة المواطن دولة الرعاية الاجتماعية.
وفي إطار المواجهة، فإن التركيز اليوم على التحركات من أجل قانون نسبي وخارج القيد الطائفي، تبقى الشعار الأكثر أولوية باتجاه تحقيق خرق حقيقي في بنية هذا النظام، وبالتالي الأكثر أولوية في بناء الدولة المدنية الديموقراطية، القادرة على الحفاظ على الوطن من اعتداءات الخارج وعلى المواطن من نهب وفساد السلطة السياسية وتحالفها الطبقي والطائفي المسيطر.
نعم، لن يكون الأمر منحة من قوى التحالف الحاكم، بل نتاج حراك شعبي متراكم ومتصاعد، نحن لا ننتظر “الدبس من.. النمس”.