Site icon IMLebanon

بطريرك الشركة والمحبة «يعمّد» الوسطية خياراً رئيساً

شهيّب: زيارة عاليه تثبيت العيش الواحد حلو لتعميم روحية المصالحة 

لم تكن زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى قضاء عاليه خارجة عن الاطار المألوف للزيارات الرعوية التي قام بها منذ أن انتخبه سينودس الأساقفة بطريركاً على كرسي انطاكية وسائر المشرق في آذار من العام 2011، حيث اتخذ شعار «محبة وشراكة» لوصف النهج الذي سيمارسه على رأس الكنيسة المارونية، واعتبر أن من أولى مهامه البطريركية السهر على شؤون رعيته، وقام على هذا الأساس بزيارات رعوية إلى مختلف المناطق اللبنانية، ولا تأتي زيارته لابناء الكنيسة المارونية في قضاء عاليه الا لتصبّ في الإطار نفسه.

غير أن الراعي الذي «أعطي مجد لبنان» خلفاً للبطريرك الطيب الذكر مار نصرالله بطرس صفير، أكّد في جميع محطات زيارته في قضاء عاليه، أن ما يقوم به هو استكمال للمسار الذي «شقّه» صفير بتكريس المصالحة التاريخية بين الدروز والموارنة مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في المختارة في العام 2001، وطوت صفحة أليمة من مرحلة «اهتزّ» فيها العيش الواحد، وكاد أن يسقط «الهيكل» على كل اللبنانيين بسبب «المرض» الذي أصاب «القلب».

وقال وزير الزراعة أكرم شهيّب الذي كان «لولب» تنسيق زيارة الراعي إلى عاليه كونه ابن المدينة ونائبها والخبير بشؤون وشجون أبناء المنطقة المسيحيين والدروز على السواء، لـ «المستقبل»، أن هذه الزيارة «مباركة وخاصة في هذه الأيام التي يشهد فيها لبنان خللاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ينذر بعواقب وخيمة»، مشدّداً على أنها «أتت لتثبيت العيش الواحد في الجبل، ولتثبيت الحياة السياسية في الوطن، من خلال كلام صاحب الغبطة الدائم عن دعم المؤسسات الشرعية في البلاد وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية».

من جهته، أشار عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب هنري حلو لـ «المستقبل» إلى أن «صاحب الغبطة لمس باليد وشاهد بالعين التعايش الموجود بين أبناء الجبل من مسيحيين ودروز، وهذا يصبّ في مسار الشعار الذي رفعه يوم تولّى سدة البطريركية: شركة ومحبة«، مؤكّداً أن الزيارة «رسّخت المصالحة التاريخية التي انجزها البطريرك صفير والنائب جنبلاط، والتي نأمل أن تشكّل مثالاً لما يجب أن يكون عليه التعايش بين اللبنانيين في كل المناطق».

وشدّد حلو على أن ما يمكن استخلاصه من الزيارة هو «ضرورة تعميم روحية المصالحة على كل ارجاء الوطن، وما تحقّق في الجبل على يد البطريرك صفير، تكرّس على يد البطريرك الراعي من خلال سعيه الصادق والدائم لتثبيت شعار شركة ومحبة بكل ما في الكلمة من معنى».

وإلى جانب المواقف التي أطلقها في المناسبات العديدة التي شارك بها، وتركّزت حول «بناء مؤسسات الدولة وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية لكي يعود الوطن ويحيا عبر مؤسساته الشرعية، فلا يستطيع الجسم أن يعيش من دون رأس»، لفتت مصادر «مسيحية» واكبت زيارة الراعي إلى أنه استعان بـ «ميزان الجوهرجي لكي تظهر زيارته إلى قلب الجبل المسيحي الدرزي أنها وسطية بكل ما في الكلمة من معنى، وأنه بطريرك وسطي يطالب بـ الشراكة والمحبة بين جميع اللبنانيين«.

وأشارت المصادر إلى أنه بعد «واجب زيارة سماحة شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن في منزله في بلدة البنيه، زار الشيخ نصر الدين الغريب المسمّى شيخ عقل في دار خلدة في منزله في بلدة كفرمتى، وأنه بعد تلبيته دعوة وزير الزراعة أكرم شهيب إلى عشاء أقامه في منزله على شرفه بحضور النائب طلال أرسلان وتيمور وليد جنبلاط، لبّى في اليوم الأخير دعوة أرسلان إلى مأدبة عشاء مماثلة بحضور جنبلاط وشهيّب، و»هالعين مثل الثانية». 

أضافت: «ولإرضاء الحراك المدني الذي تمثله في عاليه السيدة حياة ارسلان، لبّى دعوتها إلى لقاء شارك فيه الرئيس الوسطي والوطني بامتياز ميشال سليمان ورئيس بلدية عاليه وجدي مراد، وبذلك، أبعد كل انتقاد كان محتملاً من الفريقين السياسيين الدرزيين، إلى جانب «شوفة خاطر« المجتمع المدني الذي كان تزامن تحرّكه في رفض إعادة فتح مطمر الناعمة لمدة سبعة أيام كما اقترحت اللجنة الفنية التي ترأسها شهّيب لمعالجة أزمة النفايات، مع جولة الراعي في عاليه«.

وكان بالامكان وصف زيارة الراعي بأنها «تفقدية وتقليدية« وهو «ليس بحاجة إلى ترحيب فهو في داره» كما قال شهيّب خلال استقبال البطريرك في اليوم الأول من زيارته، غير أن أزمة النفايات التي يعيشها اللبنانيون ومن ضمنهم أبناء الجبل، كانت حاضرة على جوانب الطرقات التي سلكها موكبه، وفي الكلمات التي أطلقها في كل محطة من محطات جولته، وشدّد فيها على «الدعم الكامل ومن دون تحفّظ لخطة شهّيب لحل الأزمة«.

وإذ أرادت المصادر أن تؤكّد أن الراعي «يحمل اسمه عن جدارة»، شدّدت على إطلاق وصف «الوسطية على البطريرك الذي لا يزال قادراً على التواصل مع باقي الطوائف التي يتشكّل منها الاجتماع اللبناني، كما أنه الوحيد الذي كان قادراً على جمع الأضداد المارونية على طاولة حوار في بكركي ولو أن النتيجة لم تأت بما كان يرغبه«.

وتضيف المصادر أن الراعي بات يعلن بصراحة عن قناعته بأن «الرئيس القوي ليس بالضرورة هو من يتمتع بقاعدة شعبية مسيحية، فالرئيس هو لكل لبنان بمسلميه ومسيحييه، وبالتالي يعتبر أن أياً كان الرئيس القوي مسيحياً، إنما سيشكّل استفزازاً لطائفة من المسلمين، وبالتالي لن يستطيع ممارسة دوره المنصوص عنه في الدستور كحكم بين اللبنانيين».

وفي هذا الاطار، اعتبر شهيب أنه «يمكن البناء على قناعة الراعي بضرورة انتخاب رئيس توافقي، وهذا هو الحلّ الحتمي لأزمة الانتخابات الرئاسية، ونأمل أن يتمكّن بما لديه من حضور روحي وسياسي أن يقنع أصحاب الشأن المسيحيين بهذه القناعة، لتتمكّن الدولة من العودة إلى ممارسة حياتها الطبيعية والاهتمام بشؤون ابنائها وإخراجهم من عنق الزجاجة التي وجدوا أنفسهم عالقين فيها».

أما حلو، المرشّح «الوسطي» للرئاسة، فاعتبر أن «تشديد الراعي على توجه ممثلي الشعب إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، أصبح موقفاً ملازماً للبطريرك في كل عظاته وخطاباته، وهو تدرّج حتى الوصول إلى عتبة تسمية الأشياء بأسمائها واتهام معرقلي الانتخابات الرئاسية بالاسم».

وختمت المصادر حديثها إلى «المستقبل» بأن «جولة البطريرك الوسطي على قرى وبلدات ومدن قضاء عاليه، رسّخت العيش الواحد بين أبنائها من دون تمييز لا طائفي ولا سياسي، والعبر التي اكتسبها اللبنانيون عبر التاريخ من خلال تجاربهم الأليمة والمريرة التي مرّوا فيها، جعلتهم على يقين بأن لبنان يقوم على الاعتدال، ولا يحكم من فريق ضد فريق، وعسى أن يعتبر أولي الألباب ويستمعوا إلى حكمة البطريرك الراعي ويعاونوه من أجل تسهيل عملية انتخاب رئيس عتيد للجمهورية».