بعد أن القى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عظته في كنسية مار شربل في بانشول في اوستراليا، صلّى غبطته من أجل الإستقرار في لبنان وإجراء سريع لانتخاب رئيس للجمهورية، وقد حمّل في مواقفه الأخيرة السلطة السياسية ومجلس النواب مسؤولية ما هو حاصل من مخالفة للدستور وللميثاق الوطني والصيغة اللبنانية، وجاء نقده القاسي لهذا الواقع المرير مشبعاً بلهجة حادة عبّرت عن مكنونات داخلت قناعاته التي بدأ يداخلها غضب شديد مشوباً بيأس ضمني أشد.. ولقيت مواقفه الأخيرة هذه، جملة من ردات الفعل المتفاوتة في لهجتها وحدّتها وتصنيفها بين مؤيد ومعارض، حفلت بها وسائل الإعلام المختلفة بما فيها وسائل التواصل الإجتماعي، وقد تقاسمت ردات الفعل هذه، بين:
– من رأى فيها صرخة داوية لا بد منها، علها تدفع باللبنانيين عموما، وبالمسيحيين خصوصاً، إلى مواقع الوعي والتبصر، والتنبه إلى أن الأوضاع اللبنانية، وفي طليعتها الأوضاع الكيانية والوجودية والمؤسساتية وكل ما مت بصلة إلى مصير لبنان الوطني بأية صلة وأي ارتباط، قد أصبحت أمام مهاوي التفتت والإنحلال، ومواجهة أفدح الأخطار وأعتى مواقع الخراب والدمار. كما ذهب المصنفون في هذا الإتجاه إلى التأكيد على مواقف غبطة البطريرك الصارمة تجاه ما يساور الموضوع الرئاسي من مناورات ومؤامرات وتلاعب من خلال موقع الرئاسة الأولى مقطوعة الرأس ومهشمة الأطراف، والتي باتت موقعاً ضائعاً لا معالم له ولا تجسيد ولا دور.
– إضافة إلى رأي آخر وجد في كلام غبطة البطريرك كثيراً من الحماس والإنتفاض بوجه الوضع الشاذ القائم، ولكّنه جاء في الوقت نفسه غريباً وظالماً من حيث مزجه التام ما بين فئة تقوم منذ مدة بعيدة، بتصويب أسلحتها السياسية وتوجهاتها الفئوية والعقائدية، إلى هذا الكيان اللبناني وميثاقية وجوده واستمرار وسلامة ووحدة أرضه وشعبه ومؤسساته، وديمقراطية نهجه في كل الحقول والميادين، وهي كلما وافتها ظروف محلية وإقليمية ملائمة تظهر سواعدها وأسلحتها وتبرز قمصانها السود، وتعلي من شأن وفعالية أنصارها الذين تزرعهم في مناطق بعيدة عن مواقعها وعن بيئتها الحاضنة. ويستغرب أولئك المنتسبون إلى الرأي الثاني كيف أن غبطة البطريرك، لا يفرق بين فئة لا تنقطع عن التوجه الدائم والكامل العدد إلى المجلس النيابي في جميع الجلسات التي يحددها رئيس المجلس لهذه الغاية، ويصرح أهل الحل والربط لديها، ويلتزمون بأنهم سيهنئون الفائز في الإنتخابات الرئاسية، كائناً من كان، وسيتعاونون معه تعاون المسؤولين السياسيين والشعبيين مع رئيسهم ورمز بلادهم في إطار ومسار ديمقراطي يفرضه الميثاق والدستور اللبناني، وترعاه المبادئ الديمقراطية العامة المعتمدة في شتى أنحاء العالم الديمقراطي. وهم لطالما طالبوا بأن يرضخ الجميع، بمن فيهم مرشحهم لاتفاق يتوصلون إليه يقضي بانتخاب رئيس وفاقي يجمع عليه اللبنانيون ويرضون به قائداً ورئيساً عليهم ولهم جميعاً. كما يستغرب هؤلاء الذين لا يهابون من ذكر اسمائهم وانتماءاتهم سواء في وسائل الإعلام المختلفة أم وسائل التواصل الإجتماعي، كيف يمزج غبطته بين فريق لبناني يعمل بتآلف كامل ما بين أفرقائه المنتمين إلى الفئات والطوائف والمذاهب كافة، وفريق آخر، يختبىء خلفه ذلك العنصر الميلشياوي الممسك بمقاليد البلاد جميعاً في إطار فئوي منتسب بالقول والفعل وبتصاريح لا لبس فيها من كبار قادته السياسيين والدينيين والمسلحين، إلى جهات غريبة تماماً عن هذه البلاد وعن مجتمعها وفكرها السياسي وطبيعتها الإجتماعية، بينما فئة هامة من المسيحيين، تخالف تلك الآراء التي يتبناها غبطة البطريرك ويدعو لها ويصارع من أجلها ويهدد برفع واستعمال العصا لإعلاء كلمتها وتوجهاتها، وكيف لغبطة البطريرك أن يطالب بالإمتناع عن مخالفة الدستور والميثاق والصيغة اللبنانية وكل ما يفعله المختبئون خلف الفريق الميلشياوي مخالف للميثاق والدستور والصيغة اللبنانية، فضلاً عن مخالفته بالتحديد لجميع التوجهات والمبادئ الديمقراطية التي ترفض قولاً وفعلاً المبدأ الغريب العجيب الذي يقول بأعلى الصوت والصراخ والتوتر العصبي: «أنا أو لا أحد» .
إضافة إلى ما ذكر، لا بد وأن غبطته مطلع بصورة أكيدة، على أن حقيقة الموقف الميلشياوي تتمثل في عمقها المكنون، بأنه لا يرغب في واقع الأمر بإيصال صاحب شعار ومبدأ «أنا أو لا أحد»، بل هو يتلطى خلفه ويستعمل رغبته الجامحة إلى ترؤس البلاد والعباد بكل الأساليب التي تصل إلى امكانياته، فاجتمعت حاجة الإختباء والتلطي مع رغبة الوصول إلى الرئاسة بأي ثمن، لتحقيق الفراغات القيادية والمؤسساتية التي تطاول البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وفي كل كرسي من كراسيها الأساسية، وصولاً من خلال عملية التفريغ المقصودة والمستمرة، إلى نسف هذا الكيان اللبناني وتغيير شكله وأساسه وميثاقية أوضاعه، الأمر الذي أثار حفيظة غبطة البطريرك، مما دفعه إلى تحذير السلطة السياسية والمجلس النيابي من مخالفة الدستور وانتهاك الميثاق الوطني والصيغة اللبنانية، وحذر تحديداً من المساس بها عن طريق مؤتمر تأسيسي أو نظام مثالثة ينقض الأسس الميثاقية والصيغيوية بالكامل .
وما كان يقتضي الإشارة إليه بوضوح، أن التحالف العميق والمبني على المصالح المتبادلة والأهداف المتداخلة بالطموحات الشخصية الواضحة والفاضحة، قد دفع ببعض المسيحيين إلى مماشاة ما حذر منه غبطة البطريرك، ولهذا السبب، فإن انتخابات الرئاسة مجمدة وموقوفة وموقع رئاسة الجمهورية وما أمكن من المواقع السيادية الأخرى، محجور عليها وممسوك بعقالها ومواقع القيادة فيها.
غبطة البطريرك… نشيد في مطلق الأحوال بمواقفك الأخيرة ونتبناها في إطارها العام، على أن تُطعّم في أقرب مناسبة بشيء من العدالة والتصويب والشمول، مع التحفظ الكامل لجهة إعتبار أن المجلس النيابي بجميع أعضائه، يقاطع الإنتخابات الرئاسية، حيث يرجى بهذا الخصوص متابعة حقيقة الوقائع والمواقف وقائمة من حضروا الجلسات النيابية ومن لم يحضروها… في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة… بما فيها وسائل التواصل الإجتماعي وأضوائها التفصيلية… الكاشفة والفاضحة .