ماذا يعني مصطلح «تحرير الشرعيّة» الّذي أطلقه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مناشداً تحت عنوانه رئيس الجمهوريّة إنقاذ البلاد؟ بالتأكيد هو أوّلاً مصطلح «ديبلوماسي» أو فلنقل أنّه مصطلح «القفّازات النّاعمة» والاستدلال على معناه ليس صعباً فضدّ التحرير هو الاحتلال، باختصار لا يحتاج معنى «تحرير الشرعيّة» إلى كثير تفسير وتحليل، الشرعيّة محتلّة والمطلوب تحريرها فهل يُحرّر غير محتلّ ، أو هي مختطفة والمطلوب إطلاق سراحها من يدِ خاطفيها.
ولا يحتاج الأمر إلى كثير تساؤل عمّن يحتلّ الشرعيّة في لبنان، ولا التساؤل من يختطفها، فالمحتلّ أو الخاطف هو الحزب الّذي يملك ترسانة صاروخيّة وقد اختطف الشرعيّة كما كان يختطف الطّائرات والرّهائن في ثمانينات الحرب العراقية ـ الإيرانيّة من القرن الماضي! ثمّ من هي الشرعيّة التي دعا بطريرك لبنان إلى تحريرها؟ أليست الشرعيّة هي المؤسسات التي تحكم عبرها البلاد وتتمثّل بها الدّولة؟ أليست هذه هي الرئاسات الثلاث مجتمعة؟أوليست الرئاسات الثلاث مختطفة وكلّ واحدة بشكلٍ ما؟! أليست ثلاثتها واقعة في قبضة وتحت سيطرة حزب الله، ولكن هل في مستطاع من هو منساق وراء محتلّه وهذا المحتلّ المختطف هو الّذي جاء به إلى موقعه في السّلطة وأقامه فيه أداة أو خيال ظلّ يحرّكها كيف يشاء، هل في مستطاع مسلوب الإرادة والقدرة على التحرّك بحريّة أن يُحرّر لبنان من فريق لبناني يحتلّه بقوّة سلاحه ويختطفه لمصلحة أجندة غريبة عنه وعن هويته وعن ثقافته وتاريخه ومنطقته ولغته وحضارته، بالتأكيد لا؟!
إيران شيطان المنطقة والعقل المدبّر لخرابها عبر حزب الله وأيديه المبعثرة في كلّ المنطقة، منذ شكّله الخميني في ثمانينات القرن الماضي ومن لبنان مدّت الأفعى رأسها وتسلّلَت نفثت سُمّها من الكويت إلى البحرين إلى السعودية وإلى العراق وإلى اليمن وإلى كلّ دولة وبلد فيه وجود للشيعة فأتقنت إيران استخدامهم سواء تحت غطاء التشيّع أو الابتهاج بالوصول إلى حكم ديني شيعي في طهران سعى منذ لحظته الأولى للسيطرة على المنطقة، ومن يقول غير هذا فهو يكذب على نفسه!
ليس بإمكان لبنان أن يحمّل عبء الارتماء نهائياً في الحضن الإيراني ومحور الممانعة، ما تزال إيران تحاول جرّ النّصف اللبناني الرّافض لأجندتها ومخططها للبنان وهذا النصف يقاوم أعزلاً وباللحم الحيّ الرغبة الإرانية العارمة في فرض نظامها على لبنان، هذه الأزمة الكبرى تبدو الأخيرة التي يعيشها لبنان الكبير، والتي نشكّ كثيراً أن تكون دولته قادرة على الاستمرار أو الوصول إلى 1 أيلول يوم الذكرى المئوية لولادة «دولة لبنان الكبير»، فبرغم كلّ ما يحدث حولنا مايزال الفرقاء جميعهم والدّولة بكل اهترائها وهرهرتها مع تسويقها لنفسها واهمة بأنّها تعيش «العهد القوي»فيما هي تلفظ أنفاسها وقد يكون هذا آخر العهود فيها، بالرّغم من كلّ ما نعيشه يهرب الجميع من مواجهة الحقيقة والاعتراف بها بأنّ سبب أزمات لبنان كلّها ووصوله إلى الهاوية والدّرك الأسفل من الانهيار هو السلاح، هل تملك أي جبهة وطنية ستقوم لمواجهة الواقع اللبناني ستكون قادرة على تغيير حرف واحد في مسار كتبه حزب الله للبنان وشعبه؟!