Site icon IMLebanon

مسار الراعي الاستباقي

 

ينتظر معارضو دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان أن تحول الانشغالات والأولويات الدولية دون تلبية رغبته، وأن يغلب الملل من هذه الفكرة لدى الدول المعنية، نظراً إلى أنها سئمت بذل الجهود لمعالجة أزمة البلد، التي ما يلبث النافذون في السلطة والتركيبة الحاكمة أن يجهضوها. إذا لم يتنبه الفريق الحاكم إلى أن ما قام به الراعي هو إطلاق مسارٍ قد يأخذ وقتاً، لكنه يشكل مرتكزاً لحركة سياسية محلية وخارجية تنتظر ظروف إنضاجها، فإن المكابرة لن تنفع حين تؤتي هذه الحركة ثمارها مع تراكم الأحداث وتقاطع المصالح على رغم ما يمكن أن يعترضها. ما حققته بكركي حتى الآن أنها نقلت النقاش إلى مكان آخر، وتجاوزت طروحات الطبقة السياسية ومناوراتها وتقاذف المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع المأسوية التي يرزح تحتها اللبنانيون.

 

 

لم تعد تقف عند حدود مساعي التوفيق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري. اكتشف البطريرك أن الأزمة أبعد من الخلاف بينهما، وأن البلد عالق في نيران التأزم الإقليمي المتصاعد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. لمس من خلال مداولاته مع كل منهما أين العقدة التي تحول دون الإفراج عن الحكومة التي يفترض أن تنقل البلد إلى تصحيح أوضاعه المالية والاقتصادية بخطوات جبارة. وإذا كانت المشكلة في الحصص والثلث المعطل بالنسبة إلى الفريق الرئاسي، فإن المرء لا يحتاج إلى كبير عناء ليدرك أن هذا المنطق ليس سوى غطاء لقيام سلطة مطواعة بحكم السلاح، لصالح مشاريع إقليمية آخر همومها سعر صرف الليرة وغلاء الدواء والمواد الغذائية وانقطاع الكهرباء وشح المحروقات والإصلاحات… واحتراق البلد كما حصل أمس غضباً من تدهور الأحوال المعيشية. وإذا كانت اللاءات الـ 17 التي عددها للجمهور الذي تجمّع في ساحة البطريركية لم تتجاهل أياً من جوانب المشكلة، فإن قول الراعي “لا تسكتوا عن مصادرة القرار الوطني” يلخص اللاءات الأخرى برمتها.

 

معارضو الراعي يعتبرون دعوته إلى التدويل خيانة، غافلين عن أنهم سبق أن وافقوا على أشكال عدة من التدويل منها القرار الدولي الرقم 1701، وقيام “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان” ومؤتمر الدوحة، وعقد المؤتمرات الدولية في باريس 1 و2 و3 ثم “سيدر” لضخ المال والمساعدات في خزنة مفتوحة لحاجات الخارج، ما ساهم في مضاعفة شهوات وشراهة الداخل. قد تكون صيغة المؤتمر الدولي التي طرحها البطريرك بحاجة إلى بلورة وآلية واضحة حول الدول المطلوب مشاركتها لتساهم في إنقاذ البلد، وحول أجندة هذا المؤتمر والنتائج العملية المتوخاة. فبينما يطمح الراعي إلى تنفيذ ما هو موجود من قرارات دولية تحيّد البلد ولو موقتاً عن صراعات المنطقة، وتطبيق وثيقة الوفاق والدستور، هناك من يسعى إلى إجهاض مبادرته بأخذ الأمور نحو متاهات تعديلات دستورية وحقوق الطوائف، لا سيما المسيحيين، وعودة النازحين وافتعال الخلاف حول سبل محاربة الفساد باسم العفة. قد يكون مبرر المؤتمر الدولي إعادة الاعتبار إلى القرارات الدولية الصادرة عن دوله، بعدما أتقنت قوى الممانعة تجويفها على مدى السنوات الماضية، وصولاً إلى إجهاض المبادرة الفرنسية باسم تبنيها المزعوم. فإحياؤها يحتاج دفعاً دولياً. أقل مفاعيل صرخة البطريرك استباقه احتمال تسليم لبنان لنفوذ إيران المتقدم، في التسويات المنتظرة على صفيح ساخن، ولذلك ذكّر بأنه عضو مؤسس في الجامعة العربية.