لا يختلف اثنان على أن ملف النزوح السوري في لبنان بات يهدد بالتحول إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة، نتيجة أكثر من عاملٍ قد دخل على خط هذا الملف، وذلك لجهة التوظيف والاستثمار والاستغلال السياسي بالدرجة الأولى، والذي يهدف الى التغطية على سوء إدارة أو إهمال في إدارة هذه القضية منذ اليوم الأول لبدء اللجوء السوري.
وفي الوقت الذي بدأت الخطط والخطوات توضع على نار حامية في حكومة تصريف الأعمال من أجل بدء عملية العودة، حيث يجري الحديث عن إعادة المحكومين منهم إلى سوريا، يكشف عميد الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص لـ “الديار”، عن أن لبنان “ليس طرفاً في اتفاقية اللاجئين العالمية في العام ١٩٥١ وبروتوكول العام ١٩٦٧ التابع لها ولم يوقّع عليهما، كما أنه ليس لديه قانون داخلي مطبق للاجئين، وبالتالي فإن لبنان متحرّر من أي التزامات لمعاملتهم كلاجئين، إلاّ أنه يبقى ملتزماً بضمان الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، مع العلم أن أي شكل من الدمج المحلي هو غير دستوري وبالتالي ليس خيارا ً متوافراً”.
وعن الوسائل القانونية التي يمكن الاستناد اليها في سبيل تعزيز العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين إلى بلادهم، يقول إن “قانون تنظيم الدخول الى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في العام١٩٦٢، قد نصّ على أن من يدخلون إلى لبنان بصفة غير قانونية سعياً للجوء من الاضطهاد أو بصفة غير قانونية للغرض ذاته، ويبقون في البلاد لفترات أطول من المسموح بها في تأشيرات الدخول، تتم معاملتهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين، ويتعرضون للتوقيف والسجن والغرامات والإخراج أو الترحيل. كذلك فإن قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في ١٥ نيسان ٢٠١٩، قد قضى بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية، على اعتبار أنه لم يعد هناك من سبب للجوء السوريين إلى لبنان، وأن أسباب الخوف من قمع السلطات السورية لم تعد قائمة بشكل عام”.
وعليه، يشير إلى أن لبنان قد انضم في العام 2000 إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، موضحاً أن “المادة 3 فيها تنص على أنه لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بانه سيكون في خطر التعرض للتعذيب، وتراعي السلطات المختصة لتحديد إذا كانت هذه الأسباب متوافرة وجميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك في حالة الانطباق وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفاضحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية”.
وعن موقف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في هذا الإطار، فيذكّر بـ “مذكرة التفاهم التي وقعتها مع الأمن العام حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية، واعتبرت ان اللاجىء هو طالب اللجوء إلى بلد آخر، أي أنه لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، كما نصت الفقرة الأولى من هذه المذكرة على أنه لا يجوز لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية ،أن يتقدم بطلب لجوء لدى مكتب المفوضية بعد انقضاء شهرين على دخوله إلى لبنان. ووفقاً للمفوضية، يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبيّن أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، وأن من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، وينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان و كرامته”.
ويشدد على “أهمية تطبيق القرارات الحكومية لجهة اتخاذ الإجراءات المناسبة لترحيل المحكومين السوريين، وابعادهم مع مراعاة الاتفاقات الدولية والقوانين ذات الصلة، والطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR تكثيف التعاون مع الوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية، في سبيل توفير الظروف الملائمة والفورية للعودة الآمنة للنازحين السوريين، وتكثيف الجهد الديبلوماسي لشرح خطورة هذا الموضوع على لبنان والأمن الإقليمي والأوروبي، لا سيما في ضوء ضعف وتراجع الإمكانات التي تسمح بضبط عمليات التهريب من خلال الأراضي والمياه الاقليمية اللبنانية، والتأكيد على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للشعب السوري لتشجيعه على البقاء في أرضه وتشجيع النازحين على العودة.”
أمّا بالنسبة للآليات القانونية للترحيل فيشير إلى أن “السلطات اللبنانية ملزمة قانوناً بمنح أي مواطن سوري موضوع قرار الترحيل، الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والإعتراض على قرار ترحيله وتوضيح أسباب عدم رغبته بالعودة إلى سوريا ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للإنتقال اليه، ذلك لأنه متعلّق بالقواعد الإنسانية العامة والمحمية بموجب القانون الدولي”.
وبناءً على ما تقدم، يرى مرقص “وجوب تقسيم السوريين النازحين في لبنان إلى فئات، بحيث يتم التعامل مع كل فئة منهم تبعاً لوضعيّتها. فعلى سبيل المثال، السوري الذي دخل خلسةً إلى لبنان والبعض الذي يدخل إليه ويخرج مراراً وتكراراً وليس بحاجة أي حماية، علماً أن كل ذلك يجب أن يتم وفق المعايير الدولية وخصوصيات الواقع التشريعي اللبناني”.