لا يوجد في العالم كلّه مواطن يتآمر على نفسه ويتواطأ مع زعماء الطوائف مثل المواطن اللبناني، التهديدات التي أطلقها يوم السبت نقيب صيادي أسماك الدورة بحقّ النائب بولا يعقوبيان تستدعي مساءلته، لمصلحة من حجب الصورة عن الإعلام؟ ولمصلحة من تضليل الوقائع التي يعيشها مرفأ الدورة؟ أما طرفة الموسم فتناول النواب المشاركين في الاعتصام للسمك تأكيداً على عدم تلوّثه، وأسوأ من التهديدات مخالفة الدستور بمنع «نائب الأمة» عن ممارسة دوره وحقّه في كشف الفضائح ومحاسبتها وتوعية الشعب!!
منذ اليوم الأول لانتخابها بدأت النائبة بولا يعقوبيان العمل، بسرعة قياسيّة، بولا مزعجة جداً، وبالطبع سيتكتّل الجميع ضدّها ما دامت تملك قدرات فضح الواقع المزري الذي يعيشه لبنان سواءً في ملفّ النفايات أم ملفّ المحرقة المستجدّ، ينقص أطفالنا الأمراض التنفسيّة لا تكفيهم الروائح الكريهة التي تحاصر بيروت وضواحيها من ساحل المتن إلى خلدة، لو استطاعوالردموا البحر بجثث اللبنانيين بدل ردمه بالنفايات من أجل استثمارات مريبة رائحتها أنتن من رائحة النفايات!
مزعجة بولا يعقوبيان، من أين طلعت لهم هذه المرأة؟ تعرف كيف تبني ملفاتها وتوثّقها، تفاجىء شاحناتهم هنا، وتصدمهم أفكارها هناك، حتى اضطروا إلى تهديدها على لسان الآخرين، فاتهم فقط أنها ليست من النوع الذي يهدّد أو يخاف… فليكن «التسلل شغلك الشاغل» يا بولا، لقد طاف لبنان بالنفايات، العام الماضي وصلت نفاياتنا إلى تركيا وقبرص واليونان التي قررت (الدول الثلاث) رفع دعوى ضد الدولة اللبنانية بتهمة تلويث البحر الابيض المتوسط، والدولة في غيبوبة ستستيقظ منها مع صدور حكم بدفع تعويضات طائلة للدول المتضررة!
دولة وشعب يعيشون في «الكوما» على الأقل فليتذكروا العناوين التي صدرت في شهر تموز الماضي بأن «بحر لبنان غير صالح للسباحة»، وعن «أسماك لبنان تسبّب السرطان»، وأن «لا مكان نظيفاً على الشاطئ اللبناني»، يريد البعض أن يستغبي اللبنانيين متجاهلاً كل الصيحات منذ أكثر من ربع قرن عن كون مرفأ الدورة «نموذجاً يعمم حول التلوث البيئي»، مصالح الحيتان في «لينور» تتكلّم، إنهم يخافون لأنّ «الحكي مش متل الشوفة»، بولا يعقوبيان شغلتها في الأساس «الشوفة»، اختصر تحقيق صحافي مرفأ صيادي الأسماك في الدورة عام 2007 كما يلي: «المرفأ يقع في منطقة معروفة بكثرة وجود معامل ومصانع منها معامل زيت تقوم برمي رواسبها ونفاياتها الصناعية السائلة في المرفأ، أربع مرات في السنة، ما أدى الى تلون صخور الميناء بالأسود الداكن، يضاف الى ذلك تدفق المازوت والسوائل الكيميائية السامة من قساطل المعامل، إضافة إلى جبل النفايات في برج حمود الذي «يحرس» المرفأ والروائح المنبعثة من الغاز المتسرب وللمياه الآسنة ومياه الصرف الصحي حِصة كبيرة في تلوث المرفأ. فأن تصب في هذا الميناء تحديداً، ستة مجار للمياه الآسنة أمر في غاية الخطورة، لأنها لا تفتك بمرفق حيوي بالنسبة للصيادين وعائلاتهم فحسب، بل أيضاً بالنسبة لبيروت ومحيطها، وبالإضافة الى تشويه النفايات الصلبة للمشهد العام للمرفأ، فأن تكدسها في قعر المياه قلص من عمق البحر، حتى وصل في أماكن عدة الى ثلاثين سنتيمتراً فقط، اذ اصبح بالامكان رؤية القاع بسهولة أو حتى عدم التمكن من رؤية الا الطبقة السطحية فقط للمياه بسبب سماكة الرواسب والنفايات والوحول التي تتكدس عاماً تلو الآخر في ظل تجاهل الوزارات المعنية للمعضلة»، أما في العام 2016 فكانت صرخة صيّادي الدورة فكانت عن»تهشيل الأسماك الكبيرة من محيط المطمر وهروبها، في حين وضعت الأسماك المستوطنة بيضها على اكياس القمامة ما ادى الى موتها».
بولا يعقوبيان مزعجة، ونتمنى أن تزعجهم أكثر فأكثر، وأن تدعم القضايا المحقّة أكثر فأكثر من صيادي مرفأ المرافىء المتضررة من مكب برج حمود إلى قضية المحرقة، هذا البلد «ما بدّو حريق»، بل «بدّو نواب من خامة بولا يعقوبيان» بالكاد بعدها يحتاج إلى بضعة أعوام ليكون بلداً نموذجياً.