عقد النائب بولا يعقوبيان مشهد لا يجوز أن يمرّ مروراً عاديّاً لأنّ سؤاله ليس سؤالاً عابراً بل هو مرحلة معيبة ومؤشّر خطير على الحالة النفسيّة المريضة التي تبثّ سموم حسد وحقد يفتح فيها المواطن عينه على ما يملكه الآخر بل ويفترض أنّ هذا جزءاً من الحقوق المنهوبة إذ اختلطت لديه حقيقة ما الذي نهب، ولم يجد سوى مسؤولين يلقون شعبويتهم عليه ليل نهار ويملأون صدره بالحقد والكراهية فأصبح المال العام المنهوب بتصوّره كمالِه الخاص الذي لا يملكه في الأساس، يعني ماشاء الله “ستفة رجال مسنّدين على الحواجز الحديديّة هم موظفون متقاعدون مثلهم في التقاعد مثل كلّ المتقاعدين اللبنانيّين مع فارق بسيط هو أنّهم متقاعد جهاز عسكري، ويفترض أنّ هؤلاء كانت وظيفتهم حماية المواطن وممتلكاته، فجأة اعتبر أحد هؤلاء أنّه حقّه مدّ يده سائلاً حضرة النائب التي خرجت لتدعم مطالبهم المحقّة “هيدا العقد دهب”!! للحظة تظنّ أنّه سيرفع اصبعه في وجه بولا يعقوبيان ليتهمها بنهب “عقده الخاص”، الإجابة الوحيدة الممكنة على هكذا سؤال دنيء هو ما فعلته بولا خلعت العقد ورمت به ليصبح في يده، وتدير ظهرها وتمشي!!
نحن أمام مجتمع مخيف تنمو في داخله أحقاد ونزعات نفسية وأخلاقيّة مميتة، لا حقّ لأحد في مال أحد آخر إلا بما يقرّه القانون أو تقره الشريعة، وليس من حقّ أحد أن يمدّ يده بسؤال عن نوع أو مصدر المقتنيات الشخصية لأي إنسان، ما يحدث هو نتيجة قاسية وحادّة وموجعة لتلاشي الطبقة المتوسّطة ورسم خطين بين فقراء منهوبين معدمين وبين طبقة أصحاب أموال ليسوا كلّهم مدّوا يدهم على المال العام ولم يسرقوا ولم يتاجروا بكلّ ما هو فاسد لزيادة أرصدتهم مليارات الأصفار، أخطر ما قد نجد أنفسنا أمامه هو مواجهة النّاس بعضها لينتزع كلّ فريق منهم ما يمتلكه الفريق الآخر، هذه الطبقيّة المرضيّة المليئة بالحقد والكره حاولوا استخدامها في مصر مطلع خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم ما تزال طبقة معدمة تظنّ أنّ لها مالاً كثيراً يمتلكه الآخرون وهو من جناهم وتعبهم وميراثهم ولا ذنب لأحد في أنّ الحياة قسّم الله طبقاتها بين فقير عفيف اليد واللسان وبين غنيّ فرض عليه زكاة وحثّه على الصدّقات وكل أفعال الخير..
حان الوقت ليتوقّف كلّ المعنيّين والمختصّين أمام مشهد الأمس عقد بولا يعقوبيان له من الذّهب لونه فقط، ونفس السّائل ولسانه ويده خيّلت له أنّ له حصّة في هذا العقد الذي ظنّه ذهباً لإإذا هو فالصو! حذار، لقد دخلنا مرحلة الانهيار الاجتماعي الأخلاقي والإنساني، الشعب اللبناني المستور في بيوته والمتعفّف والمواطن صاحب العين الشبعانة أين ذهبوا، الشعبويّة والنفّخ في الآذان وغسل أدمغة الناس بكلمة سرقونا ليلاً نهاراً صباحاً ومساء ستخلق طبقة لصوص حاقدين على الجميع، طبقة قادرة في لحظة يأس وشعبويّة على إحراق البلد بمن وما فيه!!
الشعبويّة، كالسَّكْرة إنما التي لا تأتي بعد فكرة، لأنّ التّقاليد السياسيّة اللبنانيّة لم تتغيّر مشهد المجلس النيابي في عمليّة إقرار الموازنة يشبه جلسات نيل أي حكومة ثقة المجلس”الشعبويّة” مرض عام ينخر الجسد اللبناني، كلّما أضاءت كاميرا العين الحمراء أو فتح هواء ميكروفون “اشتغلت المزايدة يا معلّم” حتى لو كان المواطن يلفظ أنفاسه إلا أنّ الاستعراض الذي كان يقتصر على المجلس ونوّابه انتقلت عدوى وقاحته إلى الشعب عموماً، والآتي أعظم!