IMLebanon

بيدق «داعش»

«داعش» الذي يشكل العنوان شبه الحصري للأحجية الارهابية الأحدث والأشرس، قد يكون أبرز مفارقات الزمن الراهن، وأكثر الرميات التي أصابت في غير موضعها وأهدافها.

الصيت الطاغي الذي لا يُجادَل بالهيّن، هو ان هذا الارهاب عدمي وعبثي ومدمّر وموبوء وابن حرام.. وذلك واضح منذ البدء ولا يزال واضحاً ويزداد وضوحاً يوماً تلوَ آخر، وعلى مساحات قاريّة وليست اقليمية فقط!

لكن ما هو أكثر طغياناً من ذلك الصيت ولا يتطرق إليه كثيرون، ان نسبة العبث في هذا الـ»داعش» تتخطى بأشواط نسبة الدين الذي يُتهم بالعمل على ضربه من داخل وتشويه صورته في الخارج! وهو نوع من العبث الذي يمكن بسهولة مقارنته بذلك الذي تعتمده صناعة السينما، سوى ان التمثيل فيه لا يتعلق إلا بالشكل، في حين أن الباقي كله حقيقي وباللحم الحي!

وذلك يحيل الى استنتاج آخر يفيد، بأن ما يُتهم به «داعش» هذا لا يتناسب مع اجرامه وارتكاباته! بل الحاصل هو أن تلك الارتكابات توصل الى عكس المراد والمطلوب. وبشكل قد يعجّل في طي صفحة هذا التنظيم بسرعة لم تكن ملحوظة سابقاً!.

وللتوضيح، وبالقدر الذي يلجم الشطط، فإن «كل» ارهاب «داعش»، كله من أوله في العراق الى آخره بالأمس القريب لا يُعادل في الواقع الرقمي والاحصائي حصيلة شهر دامٍ واحد من ارتكابات سلطة الأسد وتوابعها. وكل مظاهر «داعش»، كلها، من أبرزها في إشهار «دولة الخلافة» الى آخرها في ادعاء «الغزوات» لدول «الكفّار»، لا يُنظر إليها جدياً على الاطلاق من الناحية الدينية، ولا تأخذ أي مساحة فعلية من الجدال الفقهي المفتوح منذ العصور الأولى للإسلام.. بل المفارقة هي أن ما يُتهم به مباشرة لجهة «التكفير» ومباشرة الفتنة، أوصل حتى الآن، الى نقيضه! أي ان كل عملية ارهابية أراد بها شرًّا تقسيميًّا اضافيًّا على المستوى الاسلامي، أدت في الواقع، الى ردم حفر كانت موجودة سابقاً وأخرى استحدثها الخلاف السياسي المتمنطق نصًّا دينيًّا، وليس العكس!

قد يُجادل أصحاب الاختصاص وعن حق، في أن «داعش» صدم المسلمين قبل غيرهم وأكثر من غيرهم، لجهة الخلفية الفقهية التي يسند بها ارتكاباته وإجرامه.. لكن يجوز تذكير هؤلاء (وبسرعة) بأن الصدمة التي أطلق مفاعيلها الأولى تنظيم «القاعدة» منذ سنوات، لا تزال أبعد أثراً وأكثر عمقاً وجدّية من هذا العبث الراهن. وان تدارك تلك الصدمة أخذ مداه (الناجح) على مستوى الاجتماع الاسلامي العام وصولاً الى القدرة على الادعاء الواضح، بأن لا بيئات حاضنة لهذا الارهاب، في أي دولة اسلامية من السعودية الى ماليزيا، ومن المغرب الى المشرق ومن مصر الى أندونيسيا!

.. وقد (قد؟!) لا يجافي الحقيقة أبداً، الادعاء، بأن اللعب على وظيفة تشويه الاسلام استنفد مقومات الاقناع! وان حجم المفارقات المسجّلة في محن هذه الأيام لا يمكن حجبه بالضجيج والافتعال والتزوير. وفي أول ذلك، مرة أخرى، ان ما يمكن وصفه بـ»إرهاب الدولة» الذي تعتمده السلطة الأسدية والميليشيات المذهبية المدعومة من إيران، ثم الشراسة الروسية في جعل دماء السوريين زيوت محركات للآلة الاحيائية القومية التي يقودها فلاديمير بوتين» ثم غياب الأبعاد الأخلاقية والضميرية وتلك المتصلة بحقوق الانسان عن سياسات مستر أوباما إزاء النكبة السورية.. ذلك كله وغيره كثير، يجعل من «الارهاب الداعشي» بيدقا صغيراً، مؤذياً وخطيراً، لكنه لا يمثل سوى جزء يسير من رقعة نكبة العرب والمسلمين عموماً، والسوريين خصوصاً في هذه الأيام!