تتابع الهيئات الدولية المعنية بالتدقيق في إجراءات الحكومة اللبنانية لمعالجة القصور المالي الذي بلغته أوضاع الخزينة اللبنانية والقطاع المصرفي، الجدل الداخلي حول ما سيقدم عليه لبنان في شأن استحقاق الدين وتسديد قيمة سندات اليورو بوند وقيمتها تناهز المليار ومئتي مليون دولار أميركي، والتي تستحق مطلع آذار المقبل. فالأوساط المالية والدولية تعتبره مؤشراً أولياً إلى كيفية معالجة عوامل الأزمة الأخرى. هل يجب دفع هذه القيمة للدائنين، أم يفترض تأجيلها بإعادة هيكلة الدين، خصوصاً أن هناك استحقاقات أخرى في شهر نيسان ثم في حزيران…
تلح الأوساط الديبلوماسية الدولية التي تتجنب الجزم بأي توجه لأن الأمر يتعلق بقرار سيادي لبناني، على ضرورة أن يقارب لبنان هذا الاستحقاق كجزء من استراتيجية إنقاذ شاملة للتعاطي مع الدين الداخلي والدين الخارجي والعام والخاص وإعادة جدولة الديون. فهذه الأوساط ترى ضرورة اتخاذ القرار في إطار يشمل الخيارات حول مصير الودائع ومبدأ “الهيركات”، الفوائد… وتقييم الأثر الاجتماعي لأي توجه، وشبكة الأمان الاجتماعي في إطار خطة تنفيذية تحتاج لإطلاع المواطنين والمستثمرين عليها، وهذه يفترض أن تتناولها الحكومة مع المصرف المركزي بالتعاون مع البرلمان.
بات واضحاً الانقسام بين رأيين عند المسؤولين السياسيين اللبنانيين، الأول يقول بتسديد لبنان ما عليه في آذار من احتياطات البنك المركزي، على أن يرسم خريطة التعاطي مع الديون الباقية لهذه السنة، وأن يفاوض الدائنين على ذلك، والثاني يدعو إلى توفير المبلغ لاستخدامه في مجالات ملحة أخرى كتمويل استيراد مواد ضرورية، ومباشرة التفاوض منذ الآن بلا تردد مع الدائنين على أعادة هيكلة وجدولة الديون برمتها.
ما يهتم به بعض الديبلوماسيين والهيئات المالية الدولية هو البدء بجمع وطلب المعلومات الكاملة والحقيقية من المصرف المركزي اللبناني عن الاحتياطي المالي الذي لديه والقيام بالتدقيق بالمبالغ (وهذا يجب أن يتم من قبل مدققين في شكل دائم) وإعلان الأرقام للرأي العام لأن المواطنين يحتاجون إلى معرفة الحقائق. وفق هذه المقاربة يمكن للحكومة والمصرف المركزي اتخاذ القرار في شأن متوجبات دفع سندات اليورو بوند.
فاتخاذ قرار جزئي حول ما يتوجب على البلد سيكون مؤشراً إلى غياب استراتيجية وخطة تنفيذية وسيكون مجرد خطوة سياسية قد تخلق مشاكل وجدلاً خلافياً إضافياً، يحول دون اتخاذ السلطات المعنية القرارات القاسية المطلوبة من أجل التعاطي مع الأزمة المعقدة.
في اعتقاد الأوساط الديبلوماسية أن اتخاذ القرار بدفع لبنان أو عدم دفع استحقاق اليوروبوند المقبل، لا يمكن أن يتم وحده بل كجزء من اقتراح هادف ومستدام لاستراتيجية إنقاذ وخطة تنفيذية.
تميل أوساط ديبلوماسية وبعض الهيئات الدولية إلى الاعتقاد بأنه يستحسن، عموماً، تفادي التخلف عن الدفع، لأنه يساهم أكثر في “نقص الجدارة الائتمانية” للبنان ونظامه المصرفي. فاقتصار الخيار في هذا الصدد على دوافع اتخاذ القرار السياسي، يمكنه أن يعمق الأزمة ويؤدي إلى جعل حلولها أكثر صعوبة.
ويفترض أصحاب هذا الرأي أن المبلغ المطلوب تسديده قليل قياساً إلى احتياطي مصرف لبنان (المفترض أنه 36 مليار دولار)، وبالتالي يمكن تأمينه. وتسديده يجنب الدولة تقليص الثقة الائتمانية بمصارفه، وأي خفض جديد يحتمل أن تقوم به الوكالات الدولية في حال الامتناع عن التسديد، ويعزز من رصيد البلد ويتجنب التضحية بسمعته أمامها، ويثبت الثقة بإدارة الأزمة فيسهل ذلك التفاوض على هيكلة المبالغ المستحقة لاحقاً.
وفيما تسأل الأوساط الدولية عما سيفعله لبنان بقيمة المبلغ إذا لم يسدده، تعتبر أن الاحتفاظ به يجب أن يتم هو الآخر في إطار خطة إنقاذ وبرنامج تنفيذي، حتى يكون للتخلف عن الدفع وظيفة مفيدة في المعالجة المالية للأزمة. فأي من الخيارين يجب أن يأتي ضمن سلة إجراءات؟.