IMLebanon

فحوصات الـPCR كرة ثلج مكلفة تُرهق الميزانيات

 

الشباب يأكلون الحصرم والأهل يدفعون

 

بات الشباب في لبنان اليوم يتقدمون لإجراء فحص الـPCR كما يتقدمون لإجراء امتحانات آخر السنة او امتحانات الدخول الى الجامعات. الكل يسأل الكل: أين أجريت فحصك؟ كم استغرقت النتيجة من وقت؟ متى ستعيده مرة اخرى؟ مَن مِن رفاقك كان معك في المختبر نفسه؟ أسئلة مضحكة مبكية تلامس اللامعقول وتكشف كيف ان اللبناني قادر على التأقلم مع كل الظروف وعلى تحويلها الى روتين عادي لكنه مكلف يضاف الى أعبائه كما كل شيء في حياته.

 

الـ”تراند” اليوم بين الشباب هو فحص الـPCR ومثله مثل الأركيلة او السيجارة يصعب على أحدهم أن “يظمط” منه ومن كلفته المرتفعة. فالحقيقة ان فئة الشباب لا تبالي كثيراً بالتحذيرات من انتشار فيروس الكورونا وهي تعيش حياتها كالمعتاد، تسهر، تختلط، تتجمّع، تقصد الشواطئ والمطاعم والأعراس من دون أن ترهق نفسها بالتدابير الاولية، كوضع الكمامة واعتماد التباعد الاجتماعي او حتى غسل اليدين. والنتيجة المزيد من الحالات الإيجابية والتي وإن لم تصل الى حد المرض، إلا أنها تحتسب ضمن عداد الحالات وتثير المزيد من الذعر عند الفئات الأخرى من المجتمع.

 

لكن ليس الذعر وحده هو المشكلة ولا العدوى التي يمكن ان ينقلها هؤلاء الشبان والصبايا الى الأكبر سناً، فالمشكلة كلفة الفحص التي باتت عبئاً إضافياً يثقل كاهل العائلات فوق كل ما تنوء تحته من أحمال مادية يومية. وقد يقول البعض إن الفحص في مستشفى رفيق الحريري الحكومي مجاني، صحيح لكن دونه مطبات عديدة يفضل كثر من الناس تجنبها والتوجه نحو الحلول الأسهل إنما الأكثر كلفة.

 

الـPCR المليوني

 

هم “بوطة” شباب وصبايا كما يقال يكادون لا يفترقون يمضون نهاراتهم في البيت وامسياتهم مع بعض، تجدونهم في كل حي او قرية او تجمع سكني. “كيفين” واحد من هؤلاء ظهرت بعض أعراض المرض على شخص خالطه صدفة وتبين بعد الفحص أن نتيجة هذا الأخير إيجابية وانه يحمل الفيروس. جُنّ كيفين وعلى الفور بدأ اتصالاته لمعرفة اين سيجري الفحص بدوره. اتصل على الخط الساخن لوزارة الصحة فأعلموه أن بإمكانه إجراء الفحص مجاناً إذا تبين أنه مخالط لشخص إيجابي، اتصل بمستشفى رفيق الحريري ليسأل متى يمكنه التوجه الى هناك ومتى ينال نتيجته، فإذا به يتلقى جواباً بانهم سيتصلون به قريباً وان النتيجة تظهر بعد ايام ثلاثة على الفحص. لم يطق كيفين الانتظار ولا أهله، فتشوا عن مختبر قريب ووجدوا واحداً في المنطقة وأسرع الشاب لإجراء فحصه هناك بكلفة 150000ليرة. مساء أتته النتيجة الصادمة انه إيجابي، لكنه مسجل على الورقة كأنثى. جنّ جنونه من جديد وفتش عن مختبر آخر موثوق به لإعادة الفحص، ودفع من جديد المبلغ نفسه وتأكد له هذه المرة أن نتيجته إيجابية. فقام بعزل نفسه في بيت الجدة في الجبل واضطر أهله: أمه، أبوه وشقيقتاه لإجراء الفحص بدورهم ما كلفهم 600000 ليرة أضيفت الى المبلغ السابق.

 

حين عرف اصدقاء كيفين بنتيجته قاموا جميعهم وعددهم أكثر من 15 شاباً بإجراء الفحص وتبين أن نتيجة الأقرب إليه إيجابية ايضاً، ما اضطر أهل هؤلاء وصديقاتهم واصدقاء الأصدقاء للتوجه الى المستشفيات والمختبرات لإجراء الفحوصات… وهكذا تحولت نتيجة كيفين الى كرة ثلج اصابت أكثر من 50 شخصاً دفعوا على إثرها كلفة فحوصات تقارب 8 ملايين ليرة لبنانية في تجارة باتت هي الأربح حالياً في لبنان.

 

ولو توقف الأمر عند هذا الحد لكانت العائلة تحملت وزره ولو على مضض. لكن كان عليهم ترحيل العاملة الأجنبية الى بلادها وهو أمر غير ممكن ما لم تجر فحص PCR قبل 48 ساعة من رحيلها، فقاموا باستقدام موظف خاص من المختبر لإجراء الفحص في البيت وكلفهم ذلك 200000 ليرة… وبعد أن امضى كيفين اسبوعين ونيّف في الحجر أعاد إجراء الفحص ليتبين له أنه بات سلبياً لكن فرض عليه إعادته بعد يومين ليتم تثبيت النتيجة السلبية واحتسابه ضمن المتعافين. وهكذا تكون العائلة المتوسطة الدخل قد دفعت 1،500،000 ليرة لبنانية ثمن فحوصات PCR في مختبرات خاصة و”فوق تقلو تقّلّو”…

 

ليست هذه قصة فريدة من نوعها فكل عائلة لبنانية عندها شباب لا شك اختبرت، ولو لمرة، “سيناريو” شبيهاً بهذا واضطرت لتحمل كلفة فحص او اثنين في هذه الأيام الصعبة، التي بات فيها الواحد يحسب الف حساب لكل قرش ينفقه إذ لا بديل عنه.

 

المختبرات بين التجارة والمعايير الدقيقة

 

من هي تلك المختبرات التي باتت اليوم بطلة تجارة فحوصات الـPCR وهل كلّها مؤهلة للقيام بهذه العملية الدقيقة ومن الذي حدّد كلفة الفحص؟

 

توجهنا الى أحد المستشفيات الخاصة التي تجري الفحص باكراً جداً في الصباح، ظناً منا أننا بذلك نصل قبل الزحمة فإذا بنا نفاجأ بصف طويل جداً من المنتظرين، من كافة الجنسيات، مصطفين في الشارع أمام المستشفى، من دون اي تباعد اجتماعي، ينتظرون دورهم من دون مواعيد. قصدنا مستشفى آخر، هنا لا زحمة منتظرين، فالفحص يجرى في السيارة وفق جدول مواعيد مسبقة.

 

 

سألنا رئيسة نقابة المختبرات الطبية في لبنان ومختبر امراض الدم في مستشفى أوتيل ديو ورئيسة لجنة الترخيص للمختبرات المخولة إجراء فحوصات الـPCR د. ميرنا جرمانوس عن هذا النظام، فأعلمتنا أن لجنة الكورونا في وزارة الصحة قد وضعت مواصفات خاصة للمختبرات التي يمكنها إجراء فحوصات الـPCR، إذ يجب أن تكون مزودة بغرفة خاصة ذات ضغط سلبي negative pressure يتم العمل ضمنها او خيمة خارجية للسيارات، وان يخصص مدخل خاص لمن يودون إجراء الفحص لتأمين عدم اختلاط هؤلاء مع بقية المرضى أو تعريض أحدهم للإصابة، وتخصيص موظفين متفرغين في المختبر لهذا الغرض فقط. ولا تمنح الرخصة إلا للمختبرات التي استوفت هذه الشروط وحتى اليوم بات هناك 65 مختبراً مرخصاً، وقد وضعت اللجنة تسعيرة 150000 ليرة للفحص.

 

نسأل رئيسة اللجنة عن سبب ارتفاع كلفة الفحص. فتجيبنا بان المعدات والادوات التي تستخدم لسحب العينة مكلفة يتم شراؤها بالدولار؛ 85% من كلفتها يؤمنها مصرف لبنان بسعر 1515 للدولار و 15% بسعر السوق السوداء. وثمة 5 او 6 شركات تتولى استيراد المعدات والـkits بعملية تجارة حرة وتوزعها على المختبرات، وتؤكد أن هامش الربح ليس مرتفعاً إلا عند وجود حملات لفحص عدد كبير من الأشخاص لكن بلا شك ان هناك مختبرات تستفيد من هذا الوضع. في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الفحوصات مجانية لكنها تخضع لشروط وهي ان يكون الشخص قد اختلط مباشرة بشخص مصاب او تظهر عنده اعراض واضحة للكورونا، وذلك تفادياً للاكتظاظ غير المبرر، أما من يجري الفحص بدافع السفر او لمجرد الاطمئنان فعندها لا يمكنه الاستفادة من الفحص المجاني. عموماً يغطي الضمان الاجتماعي حالات معينة لمخالطين او لديهم عوارض أما الجهات الضامنة الأخرى فلا تغطي كلفة الـPCR.

 

لا للتهافت على الفحوصات

 

تؤكد د. جرمانوس أنّ ثمة مبالغة كبيرة اليوم في إجراء الفحوصات، فليس كل من التقى بشخص إيجابي عليه المسارعة الى القيام بالفحص، فهذا هدر للمال من دون فائدة والأفضل عند الاختلاط بمصاب الانتظار لبضعة ايام وإذا ظهرت عوارض مرض يمكن عندها إجراء الفحص، وليس من الضروري مطلقاً أن تقوم كل العائلة بإجرائه أيضاً. التهافت على الفحص أمر خاطئ، مضر ومكلف وعلى المواطنين الالتزام بشروط العقل والمنطق التي ذكرناها سابقاً حتى لا يتكبدوا اعباء مالية إضافية.

 

السيد وديع الفغالي صاحب أحد المختبرات المعروفة رفض تحويل مختبره الى مختبر لإجراء فحوصات الـPCR وهو يبرر ذلك بقوله: لست من أنصار مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد. فمختبره يقع في بناية سكنية ويؤكد أنه لو فعل ذلك فإنما يعرض كل سكان البناية للخطر عبر درابزين الدرج وازرار المصعد ومسكة بوابة البناية وغيرها من الأقسام المشتركة. وهو أمر يتغاضى عنه الكثير من اصحاب المختبرات رغم ان لجنة الكورونا وضعت معايير خاصة لحماية الجميع. والأهم يقول فغالي أن يكون المختبر مزوداً بموظفين كفوئين مدرّبين على اخذ العينة بطريقة صحيحة، فقد شهدنا أخيراً على كثرة الأخطاء المرتكبة نتيجة عدم كفاءة المختبر والعاملين به من حيث التقنيات المستخدمة والخبرة المطلوبة. نسأل سؤالاً مشروعاً بات يطرح نفسه: هل تحولت المختبرات الى نوع من التجارة مع الازدياد الهائل في عدد الفحوصات المجراة يومياً؟ يؤكد صاحب المختبر ان ثمة استفادة مادية بلا شك من قبل المختبرات ومن قبل الشركات التي تبيع ماكينات الفحص وادواته.

 

فالدولة تقدم الأدوات مجاناً للمستشفيات الحكومية لكن المستشفيات والمختبرات الخاصة عليها دفع ثمنها. وككل شيء في لبنان ثمة مختبرات محترمة تتبع إرشادات لجنة الكورونا وتسعيرتها وثمة دكاكين غير مختصة وغير مؤهلة تقوم بإجراء الفحص بأساليب غير دقيقة. والبعض يستخدم تقنية خاصة بالنسبة للمجموعات الكبيرة إذ يقوم بجمع عينات من أربعة او خمسة اشخاص وفحصها معاً، فإذا كانت سلبية تعمم النتيجة على هؤلاء الأشخاص أما إذا كانت إيجابية فيعاد إجراء الفحص إفرادياً لكل شخص. بهذه الطريقة يكون المختبر قد وفر عدد الفحوص المستخدمة إذ من الصعب والمكلف إجراء عملية Screening لأعداد كبيرة من الناس، وهو أمر غير مخالف للقانون العالمي.

 

ختاماً يؤكد فغالي ان من كانت لديه عوارض فعلية أو من كان مصاباً بمشاكل صحية اساسية سواء كان كبيراً في السن او شاباً أو طفلاً مثل الربو، السكري، الضغط، المشاكل القلبية والتنفسية او مشاكل في الكلى ونقص في المناعة فعليه أن يجري الفحص إلزامياً، أما الباقون فليبتعدوا عن الوساوس غير المبررة حتى لا يضيفوا الى مشاكلهم المادية مشاكل إضافية.