تزداد الاصابات بالكورونا يوماً بعد يوم في لبنان، مع غياب العوارض عند نحو 90 في المئة من المصابين، ما أثار الشكوك بالنسبة إلى الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة. من المرجّح أنّ الارقام غير صحيحة، لا بل هي أضعاف او اكثر من المعلن عنها، ولكن ماذا عن دقة الفحوصات؟ وهل سمعتم عن الصيحة الجديدة لنتائج “النصف نصف”؟ وهل باتت نظرية “نص حبلي” ممكنة في لبنان؟ ممكنة مع وليد!
إثر تعرض وليد إلى كسر يستوجب إجراء جراحة أدخل الى المستشفى، وخضع لفحص الـ”PCR” كاجراء روتيني لاي مريض قبل الجراحة، وبُلّغ بعد 8 ساعات بأن نتيجته “low positive”. لم يفهم وليد معنى نتيجته على الرغم من اتقانه للغة الانكليزية. هل هو مصاب؟ هل يبلغ اهله أو من اختلط معهم؟ حاول الاستفسار أكثر من طبيبه فكانت الاجابة “يمكن مصاب ويمكن لأ”، مضيفاً “ستبقى معزولاً في الغرفة، حتّى نعيد اجراء الفحص لك”. على اي حال نتيجة فحص وليد الثانية كانت سلبية، تماماً كنتيجة ريما، التي خضعت للـ”PCR”، بعد اختلاطها مع مصاب بالفيروس، ليبلغها المختبر في اليوم الثاني بأنها “low positive”، وعليها حجر نفسها، واجراء الفحص مجدداً بعد 24 ساعة. حالة هلع رافقت ريما التي تسكن مع امها المصابة بالسكري، ما دفعها الى مغادرة المنزل وحجر نفسها في مكان آخر، رافضةً العودة الى منزلها حتّى بعد تسجيل فحصها الثاني نتيجة سلبية، فبحسبها “كيف أتأكد من أنّ النتيجة دقيقة… لن أعود قبل ان اعيد الفحص مرّة ثالثة أقله في مختبر آخر”.
يعرف الـ” PCR” بأنه اختبار دقيق للكشف عن وجود الفيروس، الّا أنّ هامش الخطأ مرتفع في نتائجه وخصوصاً في لبنان لاسباب مختلفة، وهذا ما يثير شكوكنا بالنسبة لعدد الاصابات الصادرة عن وزارة الصحة، ولا سيما أنه لا تتم مراقبة اسماء المصابين، فكل فحص يحسب وكأنه لشخص جديد، ويضاف في التقرير اليومي، من جهته يؤكد الاختصاصي في العلوم المخبرية السريرية الدكتور حسين حسين، “انّ أرقام الوزارة أقل بكثير من الارقام الحقيقية بالنسبة لعدد المصابين”.
الدكتور حسين حسين
” low positive”… نتيجة “بتريح الضمير”
نطلب من د. حسين تفسير نتيجة ” low positive” لنا، فيضحك ساخراً “نتيجة بتريّح الضمير”. ويشرح “يكمن الخطأ غالباً، خلال دراسة العينات وتحليلها في الآلة المستعملة لهذا الغرض، اذ يمكن ان تكون العينة المتخذة من الشخص ملوثة، ما يحير التقني المسؤول عن قراءة جدول النتيجة، فيستعمل مصطلح “low positive”، لإراحة ضميره، أو يقرر أنّ النتيجة ايجابية “على صحة السلامة”، طالباً من صاحب العينة حجر نفسه واجراء الفحص مجدداً بعد يوم أو اثنين. مع الاشارة، الى أنّ المختبرات العريقة، والخبراء في هذا المجال، باستطاعتهم قراءة النتائج بشكل جيد واصدارها بدقة، وبالتالي لا يوجد في قاموسهم مصطلح “نصف نصف” أو “low positive”.
تتلف العيّنة بعد 72 ساعة من استخراجها
“تخبيص” بالجملة
في الفترة الاولى من انتشار الكوفيد 19 بيننا، لم يقع هذا المصطلح غير الدقيق على مسمعنا، وقد يعود ذلك لعدد الفحوصات القليلة التي كانت تجرى حينها، عكس الضغط الحاصل حالياً على الـ” PCR”، ما يزيد نسبة الأخطاء الوارد حصولها. ويشير د. حسين الى أنّ “الأخطاء كارثية في بعض الأماكن و”التخبيص لا يعد ولا يحصى”، شارحاً الامور على الشكل التالي:
الأداة الخشبية تضلّل النتيجة
طريقة أخذ العينة
أولاً، يجب اخذ العينة أو الـ”swab” بواسطة أداة بلاستيكية وليس خشبية، كما يحصل في بعض المختبرات، لان الخشب يعطي غالباً نتيجة “سلبية”. ثانياً، من الافضل أخذ العينة من الأنف والفم على حد سواء، فنتيجة الانف دقيقة بنسبة 67 في المئة، والفم 40 في المئة فقط. ثالثاً، يلعب التوقيت المثالي دوراً اساسياً لأخذ العينة، فلا ينفع الخضوع للـ” PCR”، في اليوم الثاني من مخالطتنا لشخص مصاب بالفيروس، لا بل يجب اجراء الاختبار بعد مرور 5 الى 8 ايام والا ستكون النتيجة سلبية وتتحول بعدها الى ايجابية. وهنا أتفهم خوف وهلع الناس بعد مخالطة مصابين، ومن واجب المختصين تفسير هذه النقطة للمريض قبل اجراء الفحص له، ولكن للاسف هذا لا يحصل، طمعاً بالارباح المادية.
أخذ عيّنة من الفم
بعد اخذ العينة
يؤخّر الضغط الكبير على فحوصات الـ”PCR”، عملية تحليل العينات، ما يسبب تلفها وتسجيلها نتائج “سلبية”. من هنا أهمية حفظ العينة في المختبر على درجة حرارة معينة، لمدّة لا تتخطى الـ72 ساعة. كذلك، تستوعب الآلة المخصصة لتحليل الاختبارات من 16 الى 90 عيّنة في الدورة الواحدة، وقد لا يتم تعقيم الآلة بالطريقة الصحيحة من دورة الى اخرى بسبب كثرة الفحوصات أيضاً، فتنتقل العدوى بين الدورات، مسببةً أخطاءً في النتائج. وأخيراً، يجب ألاّ ننسى المختبرات غير المرخصة للقيام بفحوصات الكشف عن الكورونا والتي تعمل عشوائياً، وتصدر نتائج غير دقيقة، بهدف التجارة والاستفادة المالية، عسى أن تتابع وزارة الصحة هذا الموضوع وتعالجه سريعاً”.
عوارض صامتة عند 90% من المصابين
الـ ” Antibodies”… علاج مناعي في لبنان؟
لا يعتبر الـ”PCR”، الاختبار الوحيد للكشف عن الكورونا، فبين أيدينا مجموعة من الفحوصات السريعة التي تصب في الهدف ذاته، والتي يمكنها ان تلعب دوراً في طريقة علاج اصحاب المناعة الضعيفة. هذا ما يكشفه الدكتور حسان سعيّد، الاختصاصي في علم المناعة، والباحث في مركز الأبحاث التابع للمركز العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية بشرح مستفيض “تشبه هذه الفحوصات فحص الحمل عند النساء، الذي يرتكز على أخذ عينة من البول للكشف عن هرمون معين يفرزه الجنين، مشكلاً تفاعلاً كيميائياً مع مادة معينة ما يؤكد لنا احتمالية الحمل. المبدأ نفسه يطبق في الكورونا، في ما يخص عملية البحث عن الاجسام المضادة “Antibodies “، اي البروتينات التي يفرزها جهاز المناعة خلال ردة الفعل المناعية المحددة، مظهراً انواعاً من كريات الدم البيضاء التي تعرف بالكريات البائية المخصصة لرصد الفيروس، ما يؤكد لنا اصابة الشخص. ولكن حتّى الساعة، نتيجة هذا الفحص غير دقيقة، اذ يمكن أن تظهر المضادات نتيجة وجود فيروس آخر في الجسم بدل “الكوفيد19″، ما يثير قلقنا خصوصاً مع اقترابنا من موسم الانفلونزا التي تتشابه عوارضها مع الكورونا.
الدكتور حسان سعيّد
ويمكن الاستعانة بهذه الاستراتيجية لمسح وتقدير عدد الاصابات في لبنان ولا سيما قبل العودة الى المدارس والجامعات، لرسم تصور أولي عن نسبة الاصابات. وبالفعل بدأت وزارة الصحة باستعمال هذا الفحص من دون استغنائها عن الـ” PCR”. في المقابل، يمكن استخدام المضادات الآنف ذكرها في علاج بعض المصابين، من خلال عملية “النقل السلبي”. بشكل أوضح، يطلب العالم أجمع حالياً، كل شخص مصاب وبصحة جيدّة، بالتبرع بالدم، لأخذ المضادات من البلازما (شرط ان تكون الكمية كافية)، وحقنها بجسم شخص آخر ذي مناعة ضعيفة، ومصاب ايضاً بنوع وشكل الفيروس نفسه. بذلك، ندعم مناعة الاشخاص عبر حقنهم بالمضادات، ما يساعدهم في عملية التصدي للفيروس. وفي لبنان، بدأ الحديث عن امكانية استعمال هذه الطريقة في العلاج. وأشدد أنه لا يمكن اللجوء الى مضادات الدعم الخارجية كوسيلة وقائية من الفيروس، فهي تفقد صلاحيتها بعد شهر من حقنها كحد اقصى، عكس اللقاح الذي يدخل في الذاكرة المناعية في جسم الانسان ويرافقه مدى الحياة”.
تلوّث العيّنة يؤدي إلى خطأ في التشخيص
عوارض غير شائعة
في ظل غياب العوارض عن معظم المصابين، نُذكّر بأن كل حامل للفيروس يشكل خطراً في امكانية نقله للآخرين حتّى لو كانت عوارضه صامتة. وفي هذا الاطار يشير د. سعيد الى أنّ “90 في المئة من المصابين بالفيروس اليوم، تغيب عنهم العوارض، أو تكون خفيفة وشبيهة بالانفلونزا، وهذا يختلف من شخص الى آخر ومن طريقة تجاوب جهاز مناعة كل فرد. ومن المهم معرفة أنه توجد عوارض اخرى غير الشائعة التي قد تصيب المريض، في خلال عملية تصدي الفيروس، فتظهر عاصفة من مواد كيميائية تفرزها الخلايا المناعية في كل الجسم، ما يسبب الماً في اليدين والرجلين والمفاصل والرأس والحلق ومشاكل في الجهاز الهضمي، فقدان حاسة التذوق والشم، الماً حاداً في العضلات، مشاكل جلدية كالطفح الجلدي، وتغيراً في لون الاصابع…