Site icon IMLebanon

السلام شعار ثوري تفاوضي سوري بامتياز لو أحسن طرحه

التفاوض السياسي مسألة ضرورية على هامش أي نزاع حربي يحصل في أي مكان من العالم، سواء كان نزاعاً بين دولتين أو نزاعاً أهلياً، وأياً كانت نسبة جرائم الحرب المرتكبة، ولكل حرب نسبتها من جرائم الحرب. 

التفاوض السياسي يحتسب لحظة بلحظة. هناك لحظة يكون فيها من الأفيَد لطرف تأجيل هذا التفاوض، أو الجدّ فيه، للحظة وأخرى، ولحظة يمكن فيها لخصمه أن يرغب في الأمر نفسه. يصير حيّز الأمل في التفاوض السياسي أوسع عندما يتشارك الأخصام في ادراك أن مصالحهما توجب الانخراط الجدي في التفاوض، على عتبة زمنية بعينها.

هل حصل ذلك في سوريا الآن؟ خمس سنوات من القمع الدموي فالاحتراب الأهلي فالكوابيس الجهنمية، مع هذا الكم من التهجير والمآسي الانسانية، هي مدة كافية، أكثر من كافية، لاعتبار اللحظة الحالية، لحظة تفاوضية بامتياز، حيث أنه آن الأوان لإخماد الحرب الأهلية، وهي في حال سوريا، بخلاف لبنان، حرب لم تشهد وقف اطلاق نار واحد. 

لكن التفاوض له شروطه، وله قبل ذلك فنونه. في الحالتين، الأمر يحتاج الى شجاعة. شجاعة عدم الاستماع للمزايدين، وشجاعة تحدي من يحاول إملاء شروطه ومقترحاته كيفما كان. الشجاعة تعني هنا الرفض القاطع لثقافة الحط من قدر المفاوضات. لا أهلية للحياة السياسية لأي قوة صغيرة أو كبيرة لا صبر لها على التفاوض. 

مصلحة القوى المناوئة للنظام في سوريا المصارحة مع الذات والناس، تبعاً لفهم واقعي، حيوي، لأهمية التفاوض. مصلحتها إدراك ان عواصم القرار لا تفكر، او لم تعد تفكر، مثلها، وأنّ منطق «التفاوض في مقابل تنحّي الأسد» لا يمكنه لوحده أن يغني من سياسة. هذا أفيَد من صب جام الغضب على عواصم العالم ورؤساء، وخصوصاً الرئيس باراك اوباما، على الرغم من أخطائه العديدة في الشرق الأوسط. 

على المعارضة السورية إعادة التقاط روح المبادرة السياسية. ليس فقط الاكتفاء برسم خطوط فاصلة بينها وبين المعارضة المدجنة من لدن النظام، او بينها وبين المنسوب غير المسموح به دولياً من «الجهادية». 

التقاط المبادرة يعني رفع قضية السلم. عندما تكون حرب اهلية دموية تدميرية لمجتمع ما، يصبح رفع لواء قضية السلم أساسياً. ويصير عندها مسوّغ اسقاط الطغيان هو ان هذا الطغيان غير قادر على السلم، فلا هو بمستطاعه تأمينه بإخماد المنتفضين عليه، ولا هو بمستطاعه تأمينه بعملية انتقالية يسلّم فيها الحكم وفقاً لترتيبات وروزنامة يحترمها. مشكلة النظام الآن هي انه عاجز عن النهوض بالشروط الاولية للسلام، وليست في انه لا يريد ان يسلّم الحكم الى قوى الثورة. فقط بالتشديد على محورية السلام يمكن للمعارضة ان تلتقط عصب المبادرة السياسية. ويمكن هنا تثمين ما تطرحه المعارضة من تأمين المساعدات الانسانية للمناطق المحاصرة كأول الغيث.

لم نعد في جدلية «نظام وثورة». لا يزال هناك شيء من كل هذا، لكننا في حرب اهلية دموية، يجد النظام ديمومته كنظام احتضار دموي فيها، ومصلحة السوريين هي في تجذير شعار «السلام» ووقف الحرب الأهلية كمعيار أساسي. تنحي بشار الاسد سيكون حينها وسيلة، وسيلة لا يمكن ايجاد بديل منها، وأساساً هذه مسؤولية الاسد عن ايجاد بديل من تنحيه، كمدخل لايقاف الحرب، ولن يجد.

الانتقال من سؤال «هل يسقط النظام أو تنتهي الثورة؟« الى سؤال «كيف الخروج من الحرب الأهلية؟« هو أيضاً انتقال الى السياسة.