ليس الفاتيكان طرفاً في الصراعات الدولية، ولا هو قائد فيلق هنا وفرقة هناك ولواء هنالك، إذ هو داعية سلام إنساني مستدام، واليوم نحن على أبواب حلول عيد ميلاد السيد المسيح المجيد، الذي رنّـمت أجواق الملائكة لحظة أن وضعته السيدة العذراء مريم في مهدٍ متواضع في إحدى مغاور بيت لحم : «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة». هذا دأب الكنيسة وهذا هو النهج الذي سار عليه البابوات من على عرش بطرس، وكثيراً ما ركّزوا على الدعوة الى إحلال السلام في رسائلهم، كما خصّوا بلدنا لبنان بصلواتهم وأدعيتهم ليمنّ الله تعالى عليه وأهله بالسلام والطمأنينة، لأن وطننا هو في ضمير قداسة البابا، أي بابا وفي أي زمان كانت ولايته، لبنان هو «أكثر من وطن، إنه رسالة سلام الى الأمم». وهذا ما كرّسه البابا القديس يوحنا بولس الثاني في «الإرشاد الرسولي» الذي أصدره المجمع المسكوني الفاتيكاني من أجل لبنان، والذي كان لي الشرف والحظ والنعمة بأن أكون على صلة به من خلال انتخابي رئيسَ لجنة الصحافة في أعماله الى جانب منسق الأعمال في ذلك الحين غبطة سيدنا البطريرك بشارة الراعي الذي كان يومذاك لا يزال رئيس أساقفة بلاد جبيل.
البابا فرنسيس الأول، بدوره، لم يحد عن هذا النهج المزدوج: السلام العالمي، ولا سيما للبنان، وهو ركّز، أمس الأحد، على حق وحاجة وطننا الى السلام، وأطلق صرخة في وجه الحروب في المطلق ذاهباً بعيداً واصفاً إيّاها بأنها هزيمة. وفي اقتناعه أن ليس في الحروب منتصر، فالجميع مهزومون. من هنا قوله إن «الحرب دائماً هزيمة». وهذا القول شمولي، اذ إنه لا يقصد به حرباً دون سواها ولا بلداً بعينه، إنما المبدأ الإنساني العام.
ومن الجيّد والجميل ألّا يُفوّت الكرسي الرسولي مناسبة من دون أن يذكر وطننا المنكوب، وحتى عندما تخلّى عنّا العالم بأسره تقريباً بقينا في وجدان البابوات المتعاقبين. وليس من باب المصادفة أن لنا حضوراً مباشراً في حاضرة الفاتيكان من خلال نخبة من رجال الدين، بينهم كوكبة من الأساقفة الذين أُسنِدت إليهم مهام رسولية بارزة في مختلف الحقول والأنشطة الروحية والزمنية، على مستوى المسكونة كلها. وهذا دليل على تصميم الكنيسة الرسولية على الاهتمام الفعلي بوطن الأرز.