الحل السياسي الصادر في بيان الرياض-2 للمعارضة السورية، بديهي وواقعي، أعلى مطالبه لا تخترق سقف أي مطلب لشعب من شعوب الأرض، لذلك يبدو السؤال الآخر طبيعياً جداً بكل مأسويته وهو: هل كان من الضروري أن تدمّر سوريا، ويسقط فيها نصف مليون قتيل وجريح ومعوّق وعشرة ملايين مهجّر ونازح حتى الآن، وأن يبلغ مجموع الخسائر المادية المقدّرة حوالى نصف تريليون دولار، حتى يكون منتهى الطموح الشعبي نظام بديل عادي؟
«المعارضات» السورية مسؤولة بلا شك. كان يتوجب عليها إصدار مثل هذا البيان في الأشهر الأولى للثورة في بيان سياسي تلتفّ حوله جماهير الشعب السوري، ولكنها لم تفعل، لأنه جرى تحويل سوريا إلى «ملعب» لم تبقَ قوة إقليمية ودولية إلا وشاركت في تبادل «كرات النار»، على أمل اقتطاع حصة لها من «الملعب». ولا شك أن «عسكرة» الثورة رغم الحملات الدموية التي قادها «النظام الأسدي»، كانت خطأ وصل أحياناً إلى حدّ الخطيئة عندما اقتحمت «القاعدة» و«داعش» الثورة، وتداخلت
المسؤوليات إلى درجة أن النظام بما يملك من خبرات أمنية وتعامل مع مجموعات سوداء لها تاريخها في الإرهاب، نجح في اقتحام واختراق مجموعات المعارضة المسلحة وتشويهها، حتى أصبح التعامل معها خطراً وخطيراً.
هذه الإدانة ضرورية، من أجل خط بداية جديدة تتيح للمعارضة السورية التفاوض والحصول على بعض ما تستحق طالما أنها لن تحصل على ما كان يجب أن تحصل عليه مثل أي ثورة قام بها شعب تعبَ من نظام أمني. حالياً، قائد «أوركسترا» الحل فلاديمير بوتين، يتحرك على أساس أنه المنتصر الوحيد وأن الآخرين مهزومون سيقبلون ما يرسمه ويقرّره. بيان «قمة سوتشي» يكاد يكون نسخة مختصرة لبيان الرياض-2 رغم أنه صدر عن ثلاثة لاعبين كبار هم: بوتين وأردوغان وروحاني. فالبيان يؤكد على ضرورة:
* «صياغة دستور يحظى بدعم من الشعب السوري بكل مكوّناته».
* «إجراء انتخابات حرّة وعاجلة بمشاركة كل السوريين وبمراقبة مناسبة من قبل الأمم المتحدة».
لو كانت هذه القوى الثلاث التي تحالفت وقاتلت في سوريا بلا رحمة براً وجواً وبحراً، قد حققت انتصاراً كاسحاً أنتج «كسر اليد» السياسية للثورة السورية، هل كان يكتفي بهكذا صيغة للحل؟ كان على الأقل قرر تعيين الرئيس وفرض النظام الذي يريده، ومن لا يوافق فالموت أو التهجير أمامه. طبعاً، الصيغة – الحل للثلاثة «المنتصرين – المهزومين»، أنّهم قضوا على «داعش» والإرهاب في سوريا والعراق. وتجنّبوا الحديث عن الشعب السوري الذي أدموه وأصابوه بالإعاقة الطويلة الأجل.
سوريا الجريحة والمدماة، وبما صدر عن قمة سوتشي، أصبحت تحت الانتداب الروسي – الإيراني – التركي. لا يوجد بين الثلاثة منتصر كبير يفرض ما يريده. سيتقاسم الثلاثة (إذا نجح الحل وقام السلام) المسؤوليات والمواقع. موسكو – بوتين بحاجة للأسد حتى إشعار آخر. هذا هو المضحك المبكي. بعد إبلاغ الأسد علناً بأن الجنرالات الروس الذين حضروا اجتماع القمة هم الذين حققوا «النصر»، ووافق الأسد وشكرَهم، أبلغه بوتين أنه سيبقى في السلطة فترة رئاسته لكنه كما قيل فإنه سيكون آخر علوي يتسلم الرئاسة.
قد يحدث هذا، وقد لا يحدث، المهم أنّ بوتين يريد حالياً بقاء الأسد لأنه يوفر له «مساحة كبيرة» للتأثير على طهران القادرة على وضع العوائق أمامه، مما سيسمح له لاحقاً عند الصياغة النهائية للحل أن يقتطع الكثير من حصة طهران. ما يساعده في ذلك أن خصماً شرساً هو إسرائيل ربط أمنه القومي بالوجود الإيراني في سوريا. وعليه أن يلعب بدقة وحذر شديد على «الكراسي الموسيقية» للمطالب المعقدة لإسرائيل.
أما طهران فإنها ليست طرفاً يقدم «الهدايا» لأحد. لقد دفعت الكثير من دماء جنرالاتها (قتل إثنان في معركة البوكمال) و«حزب الله» وميليشياتها الشيعية وأموالها. لذلك لن تسمح لأحد بإلغائها. مُقدّمة كل هذا، تقديم الجنرال قاسم سليماني على أنه «قائد الانتصارين في سوريا والعراق، وأن ظهوره يبثّ الرعب». في حين «أن التدخل الروسي جاء متأخراً». تناست طهران أنها أرسلت الجنرال سليماني إلى موسكو حيث قابل بوتين وطلب منه التدخل المباشر بعد أن تبيّن لها أنّ الحرب خاسرة بدون تدخل جوّي استراتيجي وهو ما لا تريده طهران حتى ولو كانت قادرة عليه.
يبقى أن كل هذا يمكن أن يصاب بالشلل والمزيد من الغرق في مستنقع الدماء إذا لم تقبل واشنطن ولم تدعم الحل، لأن لا أحد يريد أو هو قادر على إبعادها فكيف باقتلاعها؟
حالياً، وبعد إعلان سليماني «قائد الانتصارين»، وفتح الطريق البري بين بغداد ودمشق عبر «البوكمال»، فإنه صدرت في واشنطن من أطراف مؤثرة خصوصاً من المؤسسة العسكرية دعوة «لإعلان سياسة أميركية واضحة ومحددة في سوريا تقوم على:
* عدم الانسحاب من سوريا واستمرار المرابطة الجوية والبرية.
* دعم المجتمعات السنية.
* العمل على وقف تدفق السلاح الإيراني».
كلما تأخر الرئيس دونالد ترامب في حسم قراره، خسرت الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، التي تبقى «بوابة» مهمة وضرورية للنفاذ إلى العالم.
يبقى هل أن بشار الأسد، الواقف وحيداً وصاغراً بحضرة «القيصر» وجنرالاته في «سوتشي» قادر حالياً ولاحقاً على اتخاذ أي قرار مستقل من دون الرجوع إلى «القيصر» وإلى الولي الفقيه آية الله علي خامنئي؟