Site icon IMLebanon

كُن “ممانعاً” وانشد “السلام”… فـ “عليك الأمان”

 

ميزان العدل يتأرجح بين كفّ “بسمنة” وآخر “بزيت”

 

 

كُن “مقاوِماً” وافعل ما تشاء. لا يهمّ إن كنت من “الممانعين” الأقحاح أو المتبدّلين أو من أهل النُصْح. يكفي أن يكون جواز سفرك السياسي ممهوراً بتأشيرة “محور الساحات” لتَعْبُرَ مواقفك وأفكارك في أمانٍ أمام القضاء أو بعض القضاة، حتى لو “بشّرت” بالسلام ومفرداته مع “العدوّ الإسرائيلي”. وبما أنّ ميزان العدل عندنا يتأرجح بين كفّ “بسمنة” وآخر “بزيت”، نطرح أمام عدالتكم قضيتين بملفات عدّة، تختزلان صورة الحكم في لبنان: “أليس العدل أساس الملك؟”.

 

 

 

في حديثه التلفزيوني الأخير، كشف رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهّاب بعضاً من “ويكيليكس” البعث، الذي إن فُتحت أوراقه وفضائحه وخباياه كافّة، ستعجز صفحات “ويكيبيديا” عن تحمّل “جرصاته”، عما فعلته مخالب “الوحشين/ الأب وابنه” بحق السوريين واللبنانيين. مع العلم أنّ الجحيم الذي شيّده الأسد “حامي الأقليات والمسيحيين” تحت أنظار دير سيّدة صيدنايا، يكفي لاكتشاف عقل الأبالسة.

 

 

دعا وهّاب الشيعة إلى السلام مع إسرائيل، داعماً فكرته بأنّ العالم العربي دخل قطار التطبيع مع الدولة العبرية ولا يجوز أن يبقى الشيعة يُقاتلون وحدهم. عبّر رئيس “التوحيد” عن رؤيته ونظرته السياسية، انطلاقاً من المتغيّرات الجذرية التي تشهدها المنطقة. إزاء هذه المقابلة، تبرز صورة موازية، ألا وهي، قضية الأكاديمي البارز والناشط السياسي د. شارل شرتوني، الذي غادر البلاد الشهر الفائت، بعد الضجّة التي أثارها حول موقفه من إسرائيل. الرجلان تحدّثا عن السلام، غير أن الإشكالية المطروحة هنا، تكمن في قوس العدالة، حيث أصدر وقتها المدعي العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زاهر حمادة، إشارة بحقّ الشرتوني، محيلاً الملف إلى جهاز أمن الدولة للتحقيق معه. في المقابل، التزم القضاء الصمت تجاه كلام وهّاب. وتجدر الإشارة إلى أنّ القاضي حمادة كان قد رفع دعاوى مماثلة في السابق، ضدّ شخصيات فكرية وإعلامية، أدلت بمواقف مشابهة.

 

 

بناءً عليه، إذا كانت تصريحات وهّاب غير مخالفة للدستور اللبناني الضامن للحريّات الفكرية والسياسية، فلماذا لا تنطبق تلك المعايير على الشرتوني وغيره؟ هل يخضع مفهوم السلام لأيديولوجيا معيّنة؟ بمعنى أوضح: من يُقرّر العداء الدائم أو الصلح أو الهدنة… العقائد السياسية والدينية أم مصالح الدولة الوجودية؟ وإذا كانت فكرة السلام أو الدعوة إليها أو مجرّد البوح بها تُهمة وخيانة، فلماذا احتضنت الدولة اللبنانية قمّة بيروت عام 2002، التي سُميّت آنذاك بـ “مبادرة السلام العربية” تجاه إسرائيل؟

 

 

وبما أن في الإعادة إفادة، نُذَكّر بتصريح رئيس “التيار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل في مقابلة عبر إحدى القنوات المحسوبة قلباً وقالباً على “محور الممانعة” عام 2017، حيث أشار وزير خارجية لبنان آنذاك، إلى أنّ “الخلاف مع إسرائيل ليس أيديولوجياً”، مضيفاً: “نحن لا نرفض أن يكون هناك وجود لإسرائيل وبحقها بالعيش بأمان. نريد لكلّ الشعوب أن تعيش بأمان وأن تعترف بالآخر”.

 

 

وفي تبيان شتاء وصيف القضاء تحت سقفٍ واحد، وازدواجية مضبطة “الممانعة” الاتهامية، نعود إلى “صلية” وهّاب، حيث قال إنّ “ليس هناك منتصر إلا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”. في المقابل، تشنّ ماكينة “حزب اللّه” الإعلامية، حروباً هوجاء ضدّ من لا يعترف بانتصارهم “الذي يفوق انتصار تمّوز 2006″، متّهمة المعارضين والإعلاميين وكلّ صاحب عقل ومنطق، بخدمة “العدوّ الصهيوني”.

 

 

 

أيضاً، أشار إلى “أنني كنت وسيطاً أنقل رسائل من إسرائيل إلى سوريا عبر طرفٍ غربي ثالث إلى شقيق الرئيس السوري (الفارّ بشار الأسد) ماهر الأسد”. يبدو أن وسائطيّة وهّاب وصراحته المعهودة، لا “تُمرَّك” قضائيّاً، على عكس ما حصل منذ سنتين مع النائب البطريركي على القدس والمملكة الأردنية الهاشمية في الكنيسة المارونية المطران موسى الحاج، حيث تمّ الادّعاء عليه من قبل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، بجرم نقل مساعدات مالية وأدوية من أبناء رعيته وطوائف أخرى إلى ذويهم في لبنان، وحجز جواز سفره لأكثر من سنة ولم يُسلّم إليه إلا بعد وساطات كبيرة، علماً أن الانتقال بين لبنان وفلسطين (إسرائيل)، تُجيزه القوانين اللبنانية والكنسيّة المُعمل بها منذ عقود.

 

 

كما أن القضاء لم يهزّ طرف ثوبه، عندما شرّع الشيخ صادق النابلسي المقرّب من “حزب اللّه”، التهريب بين لبنان وسوريا، معتبراً أن “العملية جزء لا يتجزّأ من عمل “المقاومة”، مطبّقاً بذلك، أهمّ نظريات الاقتصاد الحرّ: “دعه يعمل دعه يمرّ”. لا ندري ما الذي كانت تنتجه معامل النظام السوري وأي “بضاعة” كانت تعبر وتمرّ حدوداً وأنفاقاً!