Site icon IMLebanon

حين يتجسّس “بيغاسوس” على سياسيين “ما بيهشّوا وما بينشّوا”!

 

“هاكرز” وتنصّت وتلصّص وتعقّب واختراق

 

 

إذا أخذنا المسألة بشكل إيجابي ومشوّق نردد ما كتبته أحلام مستغانمي: إن في الحبّ من التلصص والتجسس والأسئلة والفضول ما لا يزيدكم إلا تورطاً عشقياً وهنا تكمن مصيبة العشاق. لكن، في حالتِنا، في لبنان، هي ليست قصة عشق، بل قصة تلصص وتجسس كانت منذ أيام الإنتداب الفرنسي والمكتب الثاني وقبل “بيغاسوس” بكثير. قصّة تبلبل ولا تُؤثر. فماذا قد يسمع “متلصص” على هاتف سياسي لبناني “ما بيهش وما بينش”؟ وماذا قد يسمع جهاز مخابراتي يتنصت على هاتف مواطن غاضب يستعد لينزل “تحت عين الشمس” في الرابع من آب ليقول للمجرمين: ذنوبكم لن تغتفر؟

 

هو سلاح لكن من نوع آخر، متعدد المصادر والإتجاهات، قائم منذ آدم وحواء والى دهر الداهرين. فالتلصص لهُ أبعاد مؤامراتية في البعد الأمني وحشرية في البعد الإجتماعي واستكشافية في البعد الدولي. فلنبقَ في لبنان.”فشو همّ جونيه من هدير البحر” وألف “بيغاسوس” ما بيهزّ من يُمسكون بالعباد والرقاب في لبنان إلا إذا إقترب جهاز إستخباراتي عالمي من “غرامياتهم”! هذا أقصى حدود نشاط السياسيين اللبنانيين اليوم في بلدِ مشلّع يحتضر يحترق بنار جهنم.

 

ما لنا ولبيغاسوس. فلنسأل الخبير في شؤون أمن المعلومات رولان أبي نجم عن حالِنا نحن: هل يتجسس سياسيو لبنان على الشعب اللبناني أيضاً؟ ماذا عن الهاكرز الذين يسرقون الواتساب؟ وماذا عن الإتصال بيننا وبين رولان أبي نجم نفسه الموجود حالياً في الكويت: هل يمكن أن تكون هناك آذان ثالثة ورابعة وخامسة تتنصت علينا؟ أسئلة كثيرة تهمنا نحن، الشعب اللبناني العظيم، وليتنصت من يشاء على “سياسيينا” الساقطين في غيبوبة.

 

“زيرو كليك”

 

تظنون أنفسكم أذكياء جداً؟ مهلكم. أصبح المتجسس قادراً على إختراق الهاتف الخاص بكم من دون “أن تقترفوا” أي نقرة زر أو حرف أو قبول أو رفض. هجوم “بيغاسوس” مثلاً يعتمد خصوصية صفر نقرة “زيرو كليك”. يعني بشرحٍ أدق يكفي تلقي رسالة من مكان ما، من البرنامج، حتى يُصبح الهاتف مخترقاً حتى ولو لم “ينقر” لا سياسي ولا مواطن على الرسالة.

 

كل شيء يتطور ونحن نعود لنستعين “بالحمير” وبابور الكاز. لكن، ماذا قد يهم المتلصصين من بلد كل من فيه عادوا يعيشون في القرون الوسطى؟

 

منذ أيام، تلقيتُ رسالة من صديق إعلاميّ. سلام وكلام بنفس الصيغة التي يستخدمها عادة في الحديث وسألني خدمة قائلاً: إكتشفتُ أن بطاقتي المصرفية منتهية الصلاحية الآن وأنا بحاجة ماسة الى الدفع إلكترونياً فهل يمكنك إرسال بطاقتك؟ ترددت. تمهلت. فكرت. عاد وسألني. قلتُ له: أريد أن أسمع صوتك. أعذرني لكني أشك بك. حاول إقناعي من جديد. إتصلتُ به واتساب فلم يجب. إتصلتُ برقمه على الخط العادي فعلمت أن الواتساب الخاص به قد خُرق. والهاكر إعتمد نفس الأسلوب مع كثيرين نجح مع بعضهم وفشل مع بعضهم.

 

فكيف يُسرق الواتساب؟ وهل الواتساب محمي من التنصت؟

 

يقول رولان أبي نجم “كل الاتصالات في دول العالم خاضعة للتنصت. صحيح ان عبارة تظهر على الواتساب تقول ان الاتصال مشفر لكن هذا يكون نظرياً. فالاتصال مشفّر بين إثنين، هاتفين، واتسابين، لكن إذا كان “بيغاسوس” أو أمثاله، قد نجحوا في إختراق هواتف معينة لا يعود ينفع التشفير لأن الهاتف ومحتوياته يُصبح وكأنه بين أيدي المخترق يدخل على الواتساب، يجري الإتصالات، يستخدم الميكروفون والكاميرا والصور والمعلومات كما يشاء”. إذاً، من يتحدث عن أمان “عقد المؤامرات” وحياكة المكائد و”القيل والقال” عبر الواتساب مخطئ جداً. هنا يلفت الخبير في شؤون أمن المعلومات “الى ان اختراق الواتساب نادراً ما يكون وفق “صفر نقرة” بل نتيجة إرسال كود معين او مشاركة مقال ربما. ندخل إليه فيأخذنا في لحظات الى المكان الذي يخرق التطبيق ويعيدنا وكأن شيئاً لم يحصل الى المقال نفسه. يحصل ذلك في ثوان ونادراً ما نكتشف ما أصابنا. وحين يُسرق الواتساب يفترض الإنتظار 12 ساعة على الأقل لاسترداده يكون السارق في هذه الفترة يعبث به محاولاً سرقة العالم ومن “ضرب ضرب ومن سرق سرق”.

 

ضحايا من كل الفئات

 

نفهم أن السياسيين قد يكونون معرضين للمراقبة لكن ماذا عن التلصص على العامة؟ وماذا عن الهاكرز الذين ينقضون على فرائسهم إلكترونياً؟ يتحدث أبي نجم عن أسباب كثيرة تجعل الهاكرز يختارون ضحاياهم من العامة مواطنين وشركات. ومن الأسباب:

 

أولاً، إنهم يفعلون ذلك بدافع “البيزنس”، بدليل انهم يوم هاجموا “أرامكو” وأخترقوا معلومات تزيد عن واحد جيكا، راحوا يطالبون بمال من اصحاب المعلومات من أجل عدم إفشائها. إنهم يتصرفون كمن يخطف أحداً ما ويطالب بفدية.

 

ثانياً، هناك من يخترق كي يبتز سياسياً. وهذا ما تفعله بعض الدول والأنظمة في العالم من اجل لجم من يعارضونها سياسياً وفق قاعدة: تسكت نسكت.

 

ثالثاً، من أجل معرفة ناشط مؤيد للديموقراطية أو صحافي يحقق في الفساد اين يذهب من هو تحت المجهر ومع من يتكلم وماذا يفكر ويقول وماذا ينوي فعله والى أي مطارح يذهب ومع من يلتقي. تزعم الدول هنا انها تفعل ذلك لمكافحة الجريمة وعمليات الإغتصاب والمخدرات.

 

أمور كثيرة باتت أكبر من قدرتنا على التحمل. ولا ينقصنا الآن إلا أن يقوم أحد ما باختراق هاتفنا أو الواتساب وإحداث الخراب. والحلّ؟ يعطي رولان أبي نجم حلاً: “إذا كنتم من المعرضين، وأرقامكم معروفة، فليكن الرقم المعروف للإجابة فقط، أما كل أموركم الأخرى الشخصية فلتكن على هاتف ذكي آخر ليس معروفاً للعموم”.

 

نخال أن جميع السياسيين في لبنان يفعلون ذلك.

 

نحتاج الى معلومات بعد وبعد عن “السلاح النووي” الجديد الذي يخترق ما يريد حين يريد. يتحدث أبي نجم هنا “عن إختراقات تتم على شركات تبيع أجهزة الحماية ANTI VIRUS وحين ينجح المخترقون في ذلك يصلون الى كل زبائن الشركة بسهولة. الموضوع إذاً خطير ومباح والدول وناسها كإمرأة ترتدي قميصاً شفافاً بين الجماعة. فهل تتصورون ماذا قد يسمع “المتلصصون” على سياسيي لبنان؟ فكروا واضحكوا كثيراً حتى ولو كان الضحك الكثير وراءه حزن كبير.

بين التنصّت والإختراق

 

لبنان يتلصص على لبنان. في هذا الإطار يذكر الخبير في شؤون امن المعلومات بما تمّ تناقله عن أسماء وجهات ودول، بينها لبنان، تدفع أموالاً جد باهظة كي تتمكن من “التجسس” على من فيها. فالكل يتجسسون على الكلّ. وكل من يعتبر نفسه كبيراً هناك من هو أكبر منه.

 

نحن لسنا في أمان لا صحي ولا إجتماعي ولا إقتصادي ولا مالي ولا تربوي والأنكى أنهم يتسلون بنا في فراغاتهم وكم هي كثيرة. في كل حال، فلنفرّق بين التنصت والإختراق. هناك تنصت وإختراق بيننا. هناك من يتنصتون على السياسيين وهناك سياسيون يتنصتون على بعض الشعب وهناك أجهزة تتنصت على الإثنين معاً. من زمان “وجاي” يحصل ذلك. زمان كانوا يسمعون، وهم يتنصتون، كمال جنبلاط يصف كميل شمعون “بالمنحوس” وصائب سلام يصف ريمون إده “بالسعدان” وكميل شمعون “بالجرذ” وهلمّ جرا. أما اليوم فلا يحتاج سياسي أن ينعت آخر “بالصرماية” لنكتشف مكنوناته! أما المكائد التي حاكوها فلا تحتاج الى تنصت بل الى مجرد نظرة الى واقع ومستقبل لندرك في أي بلاء أوقعونا فيه.

 

 

هل يحتاج أحد أن يتنصت الى السياسيين اللبنانيين ليكتشف ما يُضمروه؟ طبعاً لا، لأن حقد هؤلاء يملأ الكوب ويفيض.

 

هل علينا أن نسأل عن حلولٍ أخرى لمواجهة التنصت ليس خوفاً على سياسييننا بل حماية لما تبقى من خصوصيات الناس؟ هل علينا بالتالي أن نعود الى الهواتف القديمة؟ الى هواتف “بندق بوفتيلة” فنتذرع بالأمن الشخصي ما دمنا غير قادرين “بقا” على تجديد هواتفنا؟ وبلا واتساب وإنترنت وهاتف ذكي. فلنعد الى الحمام الزاجل.

 

ألم يقل وزير الكهرباء ريمون غجر للبنانيين “اللي مش قادر يستعمل بنزين في لبنان يستعمل شي تاني”؟ اللبنانيون المنصتون من زمان لتفاهات السياسيين ووعودهم الكاذبة يقولون بدورهم لهؤلاء: “لكم يوم يا ظالمين”!