IMLebanon

أكبر كذبة في التاريخ اسمها «العقوبات»

 

 

استهدفت بريطانيا منذ عدّة أيام مسؤولين أمنيين إيرانيين بعقوبات جديدة، إذْ أضافت 13 شخصاً وكياناً بموجب نظام عقوباتها الخاصة بحقوق الانسان في إيران…

 

وتركزت العقوبات الجديدة على مسؤولين عن حماية السجون، وكيانات مسؤولة عن الأمن السيبراني بما في ذلك قيادة الدفاع السيبراني في الحرس الثوري الايراني، هذا من ناحية بريطانيا…

 

وهذه العقوبات التي اتخذتها بريطانيا أضحكتني وأبكتني في الوقت نفسه، والسؤال هو: لماذا؟

 

بكل صراحة وبكل بساطة، لن أعود الى 100 سنة بل الى الأمس القريب، أي الى عام 1990 يوم قرّر الرئيس العراقي صدّام حسين غزو الكويت، وبالمناسبة كنت قد كتبت عنواناً يومذاك هو: «السفاح يأمر الجيش العراقي بغزو الكويت». لقد شاء صدّام أن يحوّل مائة ألف عسكري الى الكويت بدل فلسطين.. أي انه غيّر الوجهة الحقيقية التي كان يجب أن يوجّه جنوده إليها.

 

طبعاً.. أفتخر وأعتز بعلاقاتي مع الكويت حكاماً وشعباً، وذلك من أيام والدي الذي كان يرتبط بعلاقات أكثر من جيّدة مع حكام الكويت من الشيخ عبدالله السالم الصباح، الى الشيخ صباح السالم الصباح، الى الأمير الشيخ جابر الأحمد، الى الشيخ سعد العبدالله ولي العهد، الى الشيخ صباح الأحمد الذي كان وزيراً للخارجية ثم أصبح أميراً بعد وفاة شقيقه الشيخ جابر الأحمد، الى أمير الكويت الحالي نواف الاحمد الجابر الصباح.

 

على كل حال، كتبت افتتاحيات عدّة أدعو فيها الرئيس صدّام حسين الى الانسحاب من الكويت، كما قال وقتها الرئيس سليم الحص أطال الله في عمره والرئيس السوري حافظ الأسد رحمه الله الذي دعا صدّام أكثر من مرّة الى الانسحاب… وقال له أكثر من ذلك، إذْ عَرَض الاسد على صدام أن ينسحب وهو مستعد أن يفاوض الاميركيين… كذلك قال له إنه إذا لم يتفق معهم سوف يقف الى جانب الرئيس صدّام حسين… طبعاً الرئيس صدّام رفض اقتراح الأسد، ما استدعى الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله أن يطلب من الرئيس الأميركي جورج بوش بدء الحرب على أن تكون المملكة مستعدّة لدفع الغالي والنفيس ومهما بلغت التكاليف لاسترجاع الكويت، وهذا ما حصل، إذ جنّدت أميركا 500 ألف عسكري وجلبتهم الى المملكة، الى منطقة الخفجي على الحدود مع الكويت، وشكلت يومذاك قوات التحالف، وعيّنت الامير خالد بن سلطان قائداً أعلى للقوات المتحالفة. وبالفعل بعد أشهر من الاستعداد حرّرت قوات التحالف الكويت، وهزمت الجيش العراقي وأخرجته من الكويت.

 

وبالمناسبة، يجب أن نعترف أنّ الملك فهد، ومن أجل تحرير الكويت، استدان المليارات من الدولارات كي يسدّد تكاليف الحرب، ولكن المهم أنّ الكويت تحرّرت وتخلّصت من الاحتلال..

 

وبعد تحرير الكويت بقيَت القوات الاميركية على الحدود وفرضت عقوبات على العراق، واستمرت العقوبات من عام 1990، أي منذ يوم تحرير الكويت الى يوم غزو العراق واحتلاله من قِبَل بوش عام 2003… أي بقيَت هذه العقوبات 14 سنة… فماذا فعلت؟

 

الشيء الوحيد الذي فعلته انها عاقبت الشعب العراقي وحرمته من استيراد كثير من المواد الغذائية وغيرها من أرز ولحم وسكّر وجميع أنواع المستوردات التي يحتاجها الشعب العراقي… بالمقابل فقد ارتفعت الاسعار حيث اضطرت أميركا الى رفع شعار: «النفط مقابل الغذاء».. طبعاً إنّ من دفع الثمن هو الشعب العراقي بينما بقي النظام كما هو ولم ينقصه شيء.

 

نستخلص من هذا الدرس أنّ نظام العقوبات لا يطال إلاّ الشعوب، أما القيادة فلا مشكلة عندها.

 

وللتذكير أيضاً، أذكّر بـ»قانون قيصر» الذي فُرِض على نظام بشار الأسد ومن يتعامل معه… إنّ «قانون قيصر» الذي صدر في الكونغرس الأميركي ينص على عقوبات اقتصادية وقانونية بحق 39 شخصية سوريّة…

 

وقصة المصوّر قيصر الذي سمّي القانون باسمه باتت معروفة، فقد نجح هذا المصوّر العسكري المنشق عن نظام الأسد في الفرار من رعب النظام السوري، وقد سبقته آلاف الصور للمعتقلين السوريين القتلى في أقبية نظام بشار الى الخارج، واستطاع قيصر مع عدّة جهات إيصال هذه الصور الموثّقة لجرائم بشار ضد الانسانية للإدارة الأميركية والمنظمات الحقوقية العالمية. فعرضت صوَر الضحايا المأسوية في معرض متحف «الهولوكوست» في أميركا، كما صدر تقريران عام 2014 عُرف أحدهما بـ»تقرير المحتجزين السوريين لعام 2014»، وعُرف الآخر بـ»إذا تكلم الموتى» الصادر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» العالمية.

 

إنّ القانون الذي استغرق إعداده ست سنوات، وبدأ تنفيذه بعدما وقعه الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول عام 2019، والذي فرض عقوبات اقتصادية وقانونية على 39 شخصاً سورياً على رأسهم بشار الأسد وزوجته أسماء.. لم يُنْتِج شيئاً… فالأسد تمسّك بالحكم نتيجة تدخلات روسية وإيرانية ومساعدة حزب الله والميليشيات الشيعية.. في حين أسفرت العقوبات عن تجويع الشعب السوري وقتله وإفقاره وزيادة معاناته.

 

من هنا أقول إنّ أكبر كذبة في التاريخ هي ما أطلق عليها اسم «العقوبات».