ربما كان في حسبان مَن رسموا خريطة خروج ميشال سماحة من السجن بالكفالة العالية، أن مختلط الطرق السياسية والقانونية سالكة، سياسياً وحكومياً وبالطبع قضائياً، فقوى ١٤ آذار التي كانت عبوات سماحة تحمل عناوين بعض أركانها، منشغلة عن نفسها بأعراس غيرها… وحكومة المصلحة الوطنية منصرفة الى مصالحها، تستجدي الاجتماع تلو الاجتماع، والعشا خبيزة…
ورغم تحرك النيابة العامة التمييزية، فقد تم الافراج، لأن مَن قرره أجاد في تعليله، ومن شدة قلقه لم يضيّع وقته، فمرّت العملية بسلام قانوني، إنما بارتدادات سياسية عكسية…
في الأمثال، رُبَّ ضارةٍ نافعة، والمنفعة هنا، أن مَن يقف وراء هذه العملية ركّز على الظروف السياسية المتأتية من انقسام قوى ١٤ آذار، بين مستقبل يطرح رئيس المردة سليمان فرنجيه للرئاسة، وقوات تردّ بطرح العماد عون!
وربما لولا هذا الانقسام العمودي في هيكلية ١٤ آذار، لما فكَّر مَن فكَّر بمثل هذا الاختراق.
المنفعة بإطلاق سراح سماحة، كانت التلاقي العفوي الفوري على الإدانة والشجب بين أركان ١٤ آذار الدائمين والقدامى من سعد الحريري الى وليد جنبلاط وسمير جعجع فوزير العدل أشرف ريفي، الذي خرج من جلسة مجلس الوزراء، ليعبّر عن استغرابه وغضبه وهو الذي قاد عملية اعتقال سماحة وضبط المتفجرات في سيارته، مع اللواء الشهيد وسام الحسن، والذي يبدو أنه ذهب ضحية هذه العملية.
فهل يمكن أن نتوقع بلورة سياسية عملية وجدية لهذا التلاقي بين شاجبي اطلاق سماحة، أم ان ما قيل مواقف ظرفية ستتبخر على حرارة احتراق الظرف الذي أوجدها؟..
بعض الأوساط الضنينة بقوى ١٤ آذار، ترى أن الانقسام القائم على مستوى قادة هذه القوى، مسؤول عن قوة الخصوم، وان مَن يحاول تجهيل الأدوار الحقيقية في انجاز هذه العملية، عبر حصرها بقانون العقوبات أو أصول المحاكمات، بمعزل عن المستجدات الاقليمية، ذات التأثير المباشر على لبنان، يغدو كالنعامة التي تغرس رأسها في الرمال، ظناً منها بأن الصياد لن يراها…
وعندما يتنافس أطراف فريق ما على تقديم خصوم لهم الى العلى، ليس عليهم استغراب أن يحصل ما حصل، بل ترقب حصوله ولو بعد حين.
الوقت لا ينتظر أحداً، بحسب هذه الأوساط، وكفى تكبّد الخسائر الكبيرة من أجل أخطاء صغيرة. كفانا تصغير الخلافات وهي كبيرة، وتكبير الانسجامات وهي صغيرة.
ورُبَّ قائلٍ إن ما تعاني منه ١٤ آذار على صعيد الانقسام في الرؤيا الرئاسية، بين المستقبل والقوات، يعيشه فريق ٨ آذار بشكل أعمق، بتحول العلاقة بين العماد عون والنائب فرنجيه، من تحالف على السراء والضراء، الى تنافس على الرئاسة وتباعد على مستوى المسار والمصير، لكن الفارق بين الحالتين أن لدى ٨ آذار ضابط ايقاع هو حزب الله، بينما التعددية القائمة في ١٤ آذار جلاّبة للقلق.
أما الكلام القواتي عن ان ترشيح القوات للعماد عون لا يعني انتهاء الاختلاف بينهما في التوجهات والخيارات سواء فاز عون بالرئاسة أو فرنجيه، وان القوات لن تؤيد يوماً السلاح غير الشرعي أو تغطي تدخل حزب الله في الحرب السورية، كما كلام المستقبل، عن ثبات التحالف مع القوات، مع تبرير ترشيحها لفرنجيه، بفيتو حزب الله على جعجع، قد يدخل في باب التكتيك وحتى المناورة، لكن أثره على جمهور الطرفين لا يمحى سوؤه بغمضة عين.
أما التحالف الاستراتيجي الذي يؤكد عليه الطرفان، فهو واقع سياسي، كياني متصل بالوجود اللبناني، لكن زيادة التوسع في التكتيك على حساب الاستراتيجيا، يضعف الاثنين معاً.
وبالنتيجة جمهور ١٤ آذار يأمل أن تكون فائدة اطلاق سماحة، أكثر من ضررها، على صعيد توحيد الرؤيا والمسار، وان ١٤ شباط لناظره قريب. –