IMLebanon

الشعب يعود إلى بيته: نصرالله والمستقبل في القصر الجمهوري

وأصبح للشعب اللبناني بيتٌ باسمه هو القصر الجمهوري في بعبدا. لبّى النداء أمس الآلاف ممن أتوا بعد 26 سنة إلى المكان الذي طردوا منه. لاقاهم في الساحة، أناس من مختلف فئات الوطن السياسية والطائفية. أجمعوا على أنّ الأمل عاد إلى بعبدا، أما ميشال عون، فغازلهم من جديد: «يا شعب لبنان العظيم»

في الباحة الخارجية لـ «بيت الشعب»، كان أربعة شبان يرتدون قمصانا زرقاً طُبعت عليها صورة الرئيس رفيق الحريري وشعار تيار المستقبل. كان لافتاً وقوفهم هناك، بين جماهير التيار الوطني الحر الذي لطالما تبادل والمستقبل قصفاً كلامياً من العيار الثقيل.

أحد الشبان، مساعد منسق عام قطاع الشباب في «المستقبل» محمد سعد، يقول إنهم أتوا «لنؤيد المبادرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري وأدّت إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية». وكذلك «لنؤكد أنّ تيار المستقبل مع أي شخص يعمل من أجل مصلحة لبنان». لم يشعر شبان «المستقبل» بالغربة في تلك الساحة: «استقبلونا بكلّ ترحيب»، يقول أحدهم. تقطع الحديث سيّدة تريد أن تلتقط معهم صورة لأنّ «صورتكم بتكبّر القلب»!

في الباحة الداخلية، كان مشهد من نوعٍ آخر. صورة الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ارتفعت أمس في سماء القصر الجمهوري فوق شعارات «الصحّ» العونية. الجمهور الذي سعى كثيرون لتضليله، عاد ليُدرك أنّ عون انتُخب رئيساً لأنه «بالأول كان في السيّد حسن، بعدان التاني (رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع)، وبعدان مشي الحال»، كما تقول الستينية سميرة حداد، التي كانت برفقة اثنتين من رفيقاتها. «يا ريتو أخدها (الرئاسة) هوي وأصغر»، تتمنّى إحداهنّ، لكن هذا لا يلغي الفرحة بأنّ «الأمل رجع».

الحشد والتنظيم اختلفا عن الإحتفالات التي نظمها العونيون سابقاً. لم يكن المنظمون بحاجة إلى الكثير من الجهد لحثّ الناس على التوجه إلى الساحات. فمحبو عون أرادوا العودة إلى الباحات التي عرفتهم واستعادة فخرا سُلب منهم على وقع هدير الطائرات.

كلّ المنسقيات حرصت على تأمين وصول أكبر قدر ممكن من الناس. بيد أنّ التعبئة الأكبر كانت لكسروان الفتوح التي مثّلها عون نائباً لدورتين متتالتين. جرس إحدى بلداتها، داريا، قُرع أمس في القصر لا في الرعية. ثُبّت على ظهر شاحنة ضخمة، وانطلق أهل داريا به إلى بعبدا في استعادةٍ لما كانوا يقومون به عام 1989 يوم تحدوا نيران الميليشيات الحاكمة في المنطقة. حراجل رفعت النداء إلى شفيعتها: «خلّي عينِك عا العماد يا سيّدة الوردية». أما من فاريا، فـ«تفضلو عا التفاح» يصرخ رضا سلامة. للأخير حكاية أخرى يحملها أمانةً من والده الشاعر يوسف سلامة المتوفَّى. كان الأب يملك «بيك آب»، عمل رضا طيلة يومين من أجل إعادة تزييته. علّق عليه قصائد الوالد وصور تظاهرات الـ89، «وعُدت لأنني رجل مقهور تمكنّت من تحقيق حلمي». وفد كفرمتى (عاليه) تميز بالقمصان السود والوشاح الذي خُطّ عليه: «كفرمتى معك». يصرخ بهم المنسق ليبقوا جبهة واحدة، قبل أن ينفصلوا أمام حاجز التفتيش الأول بين رجال ونساء.

غالبية الحشود سلكت الطريق الى القصر سيراً على الأقدام. ومن لم تُسعفه رجلاه كان بإمكانه ركوب الحافلات. في ظل إحدى الشجرات استراح شاهيه كريكوريان مع عائلته. هو صاحب الخيمة الرقم 88 قبل 26 سنة. اصطحب أولاده أمس «ليحسوا بالأمل الحلو بالحياة». أمور كثيرة تبدّلت على طريق القصر «يللي حفيت إجرينا عليها»، بحسب ليلى مغبغب. هُجّر الأهل منه، فبات عبارة عن حجارة باردة، «هلّق صار الو معنى» تقول السيدة سلامة التي هربت منه في 13 تشرين.

التدابير الأمنية أخّرت الدخول الى الساحة. تدافعوا وكأنهم بذلك يُقرّبون لحظة وصولهم. بملامح تجمع بين القسوة والطيبة. يحمل جان سعادة كتاب «العودة»، وداخله صور «هذا الشعب العظيم». عنصر «أنصار الجيش» السابق عاد بعد 26 سنة «لأننا أوفياء لهذا الوطن». كان عون قائداً للواء الثامن «وكان ينزل يرتاح عنا، اليوم نحنا جايين نرتاح عندو».

من تململ من أشعة الشمس، عاجلته إحدى السيدات مُخففة عنه: «نطرنا 26 سنة فينا ننطر 5 دقائق». أما الوالد، فيعد أطفاله بأن الإنتظار سببه أننا «سندخل لنزور الجنرال». وبين الناس العاطفيين، «تسلل» شاعر أتى من صيدا وبدأ يوزع قصائده على الناس «من ميل بصير معروف، ومن ميل في محبة عون».

عدد كبير من مسؤولي التيار والنواب حضروا أمس، وتوزعوا بين الجماهير. مثلهم تصرّف الوزير جبران باسيل. لحظات قبل أن يظهر في الساحة الأب سيمون عساف، الذي كان يُجيش جماهير الـ 89 عبر قصائده، فشخصت إليه الأنظار.

الشاشة العملاقة التي نُصبت في الساحة لم تكن كافية للأعداد الكبيرة. ما إن نقلت صورة عون حتى «جُنّ» الجمهور. الرئيس يتكلّم وعماد يذرف الدموع. لماذا؟ «ما بعرف. كنت صغير حاملني عا كتافو وقللي بدك تطلع تحب البدلة العسكرية». حين ذكر عون «الطيران الغريب» الذي حلّق فوق بعبدا قبل 26 عاماً، متمنعاً عن تسميته، استعاد بعض الحاضرين هتافات لطالما ردّدوها ضد سوريا، قبل أن يُقمع هتافهم. من المفارقات الغريبة أن يقول عون إنّ البيئة ستعود نظيفة مهما كلّف الأمر، فيؤكد الناس على كلامه بالهتاف، إلا أنهم يُغادرون الساحة تاركين على الأرض الكثير من عبوات المياه الفارغة وأكياس الأكل.

بعيداً عن هذه الملاحظة، مثيرةٌ للإعجاب الطريقة التي يتصرّف بها العونيون مع ظاهرة ميشال عون، قبل الرئاسة وبعدها. لم يكن الجنرال يوماً مصدراً للخدمات لجمهوره وفق الطريقة اللبنانية. على العكس، في الحرب، كان الجمهور يتبرّع للجيش. لم يطالبوه ببناء دويلة لهم في مناطقهم، ولم يطلبوا منه السلاح. خلافاً لذلك، تطوّعوا ليكونوا انصاره. حبّاً به ناموا في القصر، مطالبين بالحرية. انتظروه ليعود عام 2005، ومن حينها لم يردّوه خائباً مرّة. وأمس، كانوا مجدداً بالآلاف تثير حماستهم جملة «يا شعب لبنان العظيم» السحرية. ميشال عون ظاهرة، وآمال الجمهور المعلقة عليها كبيرة جداً. المطلب الوحيد هو بناء الدولة التي لطالما انتظروها، وأولى خطواتها ستكون مع اعتماد قانون جديد للإنتخابات النيابية.