IMLebanon

الناس… الغطاء والمقتل!

لم يكن مفاجئاً ان تنطلق مع الموجات الاحتجاجية بكل ما شهدته من التباسات حول هوية المجموعات التي حركتها حملات موازية حلقت بعيداً في استخلاصات مبكرة تنعى “الحالة القديمة” القائمة على معسكري ١٤ آذار و٨ آذار. ذلك أن يوم ٢٩ آب بدا بمثابة حافز موضوعي لهذه الخلاصات لكون جمهور تلك التظاهرة الكبيرة صاغ للمرة الاولى جمهوراً لبنانياً على خلفية اجتماعية صرفة بما أيقظ الآمال الخامدة في هذا “المخلوق” الجديد وتحميله ما يحتمل ولا يحتمل لفرط معاناة اللبنانيين من الإذلال والتهميش المديد.

ولكن، وبصرف النظر تماماً عما اذا كانت الهيئات المنخرطة في التحرك ستنجح أو ستفشل في اختبارها التنظيمي الحاسم، ثمة حقائق موضوعية لا بد من تحديدها قبل ارتكاب مزيد من الأخطاء التي من شأنها أن تُجهض الرهان على هذا التحرك. أولى هذه الحقائق أن ما استولد الرهان على التغيير تمثل بحركة الناس واستجابتهم للانتفاض وليس هيئات مجهولة هبطت فجأة على المشهد واحتلت الشاشات المفتوحة. بما يعني انه مشهد رأي عام لبناني عابر للانقسامات مع كل ما شابه من غرائب هو بيت القصيد أولاً وأخيراً وليس أدل على ذلك من أن المجموعات المدنية التي دعت الى اعتصام حاشد في يوم حوار ٩ أيلول وضعت نفسها الآن أمام اختبار أشد “مصيرية” عليها وعلى التحرك برمته من خلال الاختبار الشعبي تكراراً.

الحقيقة الثانية هي ان تصويب النعي في اتجاه قوى ١٤ آذار تحديداً وجلد شارعها باعتبارها “زالت” أمام الكائن الوليد الجديد بدا على كثير من التسطيح ولو ان ثمة كثيراً مما يبرر هذا الاستخلاص. فبمثل ما استنفر التحرك قوى ٨ آذار التي ينظر النافذون الأقوياء فيها الى بعض المشهد المنتفض بعين الريبة من “رائحة” أميركية ربما يعززها التشجيع الناشئ لدى المجتمع الدولي “لقطاع علماني عابر للطوائف” فإن “إسقاط النظام” الذي شكل شعاراً انفعالياً أعاد تحفيز قوى ١٤ آذار واستنفرها بما يستتبع حكماً تقاطع المعسكرين عند السعي الى إجهاض تحرّك يهدّدهما ولو بدرجات متفاوتة.

أما الحقيقة الثالثة فهي ان استهداف الحوار الطالع بحركة اعتصامية ترفضه في المطلق ربما تشكل مقتلاً للحركة الاحتجاجية ما لم تحظ بتغطية شعبية ثقيلة على غرار ٢٩ آب. الحوار في ذاته، ولو بين القوى السياسية التي يناصبها التحرك الاحتجاجي العداء، يحظى بغطاء داخلي وخارجي ثقيل جداً فضلاً عن أن السبيل الحامي للتحرك هو في كونه وسيلة ضغط كبيرة مسلطة على السياسة وليس انقلاباً متدحرجاً من شأنه أن يغامر بسرعة بالانتحار أو بإشاعة مزيد من الفوضى. وهنا كل المسألة في تقرير الوجهة الآتية الحاسمة للتحرك الاحتجاجي.