«هذه معادلة الانتصار، هذه معادلة الردع، فلنخرجها من دائرتها اللبنانية، بدلاً من الغائها، ونقدمها معادلة لسوريا وقد بدأتها سوريا من سنوات، ونقدمها معادلة للعراق وقد بدأها العراق من سنة، نقدمها معادلة لليمن وقد بدأها اليمن منذ 60 يوماً، ونقدمها مبادرة ومعادلة لكل الدول والشعوب والجيوش المهددة بالأخطار. اليوم في العراق لا يكفي الجيش، نحتاج إلى الشعب ونحتاج إلى المقاومة الشعبية، إلى الحشد الشعبي الذي يجب أن يتوسع ليشمل الجميع«.
دعوة واضحة وصريحة وجهها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله للجميع وتحديدا اللبنانيين والسوريين واليمنيين للاقتداء بنموذج الحشد الشعبي العراقي. نصر الله وفي خطابه بمناسبة «عيد التحرير» في 24 ايار في النبطية اعتبر ان هذا النموذج صالح لدرجة تخوله ان يُعمم على بلدان المنطقة.
وبعد هذا الكلام والدعوة رد «الحشد الشعبي» على نصر الله بالصوت والصورة. فعناصر هذا التنظيم قاموا بحرق مواطن عراقي وهو حيّ بعدما قيدوه وعلقوه… في مشهد لا يختلف بتاتا عن مشهد قيام «داعش« بإعدام الطيار الاردني معاذ الكساسبة حرقاً وتصوير العملية وعرضها على العالم بأكمله.. تماما كما فعل «الحشد الشعبي«.
ورغم ان الصورتين لا تختلفان عن بعضهما بعضاً، الا من حيث الاخراج الهزيل لـ»الحشد الشعبي»، فإن المعضلة هنا هي ان هذا «الحشد» يطرح نفسه بديلاً من «داعش» وهو تأسس في 13 حزيران 2014، بناء على فتوى من السيّد علي السيستاني، دعا فيها العراقيين إلى ما سماه «الجهاد الكفائي« بعد انهيار الجيش العراقي امام «داعش». ويتألف «الحشد الشعبي» من مئات آلاف الشباب الشيعي العراقي الذين ينضوون في أكثر من 42 فصيلاً ويحظى بدعم مباشر من ايران والحكومة العراقية.
وهذا التنظيم الذي وجد لمحاربة «داعش» والذي يطالب نصرالله بتعميم نموذجه، متهم بالكثير من الجرائم والانتهاكات بحق المواطنين العراقيين. «هيومن رايتس ووتش» وثقت في تقرير من 31 صفحة صدر بتاريخ 18 آذار 2015 «قيام ميليشيات الحشد الشعبي بنهب ممتلكات المدنيين السنة الذين فروا بسبب القتال، واحراق منازلهم ومحالهم، وتدمير على الأقل قريتين اثنتين عن بكرة أبيهما«. ويوضح التقرير بعنوان «بعد التحرير حلّ الدمار: الميليشيات العراقية وما بعد أمرلي« قيام «الحشد الشعبي باستخدام المتفجرات والمعدات الثقيلة لتدمير المباني وقرى بكاملها».
ويلفت التقرير الى نقطة اساسية «يبدو أن الميليشيات قد خططت على الأقل لبعض الهجمات مقدما، مما يثير الشكوك بشأن ما إذا كانت الهيئات الحكومية السياسية والعسكرية التي تشرف على الميليشيات هي المسؤولة عن التخطيط للهجمات«.
البعد المذهبي للعمليات التي يشنها الحشد الشعبي ونَفس الانتقام وليس الدفاع عن المناطق العراقية ظهر بشكل فاقع بعد اعلان المتحدث باسم قيادة قوات «الحشد الشعبي» احمد الاسدي انطلاق عملية اطلق عليها اسم «لبيك يا حسين« لمحاصرة محافظة الانبار غرب البلاد بهدف تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية. الامر الذي اثار استياء عراقيا وعربيا وحتى اميركياً من هذا الشعار في مرحلة حساسة ودقيقة تعيشها المنطقة وليس فقط العراق.
ولم يعد كافيا بعد كل هذه الممارسات والتقارير الدولية نفي «الحشد الشعبي» وقياداته لما يحصل كما جاء على لسان كريم النوري، الناطق العسكري بإسم «الحشد الشعبي» العراقي، والذي اتهم مندسّين داخل فصائل الحشد بالقيام بأعمال نهب وسرقة في مدينة تكريت بعد تحريرها من «داعش«. وحتى موقف رئيس الوزراء العراقي، القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، الذي أصدر تعليماته بإحالة المتهمين بالاعتداء على ممتلكات المواطنين في تكريت إلى القضاء لم يعد كافيا لابعاد التهم عن قيام عناصر الحشد بممارسات شبيهة بممارسات «داعش» وهي تحصل تحت اعين الحكومة العراقية ورضى ايران والولايات المتحدة. اما الكلام الاخير للعبادي عن تشكيل «الحرس الوطني« العراقي كآلية لضبط عمل «الحشد الشعبي«، ووصفه الاخير بأنه قوة عراقية يجب أن تخضع للسلطات الرسمية، كغيرها من القوات الأمنية، فإنه يرسم علامة استفهام اكبر عن دور الحكومة العراقية في لجم الصراع المذهبي المتأجج في البلاد.
واذا كان النموذج العراقي بعيدا عن لبنان واللبنانيين بسبب تعقيداته وتاريخه، فلماذا يريد نصرالله ان يعمم تجربة قتالية لتنظيم اثبت ان الميليشيات لا يمكن ان تعوض عن وجود جيش قوي موحد يحمي الجميع دون استثناء، وانه في حال غابت الرقابة والمؤسسات فإن النتيجة هي ما يحصل في العراق: «ميليشيات الحشد الشعبي تقاتل داعش بالاسلوب نفسه»..
فهل المطلوب في لبنان ميليشيات مذهبية تقتل وتسرق وتنهب وتحرق؟ هل المطلوب ميليشيا جديدة؟ واين هو الجيش اللبناني والدولة من كل هذا؟
مرة جديدة يقرر الامين العام لـ»حزب الله» ادخال لبنان في صراعات مذهبية يمكن له بقوته العسكرية ان يقرر بدايتها لكن لا يمكن لاحد بعد ذلك ان يعرف الى ان يمكن ان تصل..