Site icon IMLebanon

«الحشد الشعبي».. و«استراتيجية» آكلي الأكباد

للمرة الأولى يجاهر «حزب الله» بدعم تأسيس ميليشيات أهلية بلون طائفي لتحمل السلاح ضد بلدة من لون طائفي آخر. ليس هذا أخطر ما في الأمر، بل مجاهرة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على الملأ وبالصوت والصورة، بتبني «عرقنة لبنان»، والإشادة بنموذج «الحشد الشعبي». هذا الحشد الذي ارتكب جرائم طائفية من القتل والذبح وحرق الأحياء على طريقة «داعش»، والنهب وهدم المنازل، كما وثقت منظمات حقوق الإنسان. أي جنون يقود «حزب الله» إلى استجلاب هذه التجربة بكل مآسيها ومخاطرها وجرائمها إلى لبنان؟

لم يكد ينهي نصرالله خطابه في عيد «المقاومة والتحرير»، الذي دعا فيه الى تعميم تجربة وفكر «الحشد الشعبي» لمواجهة الجماعات التكفيرية، حتى انطلقت في قرى بعلبك-الهرمل عملية تنظيم «حشد شعبي عشائري» لمواجهة الجماعات التكفيرية في جرود عرسال. مسؤولو «حزب الله» في قرى البقاع الشمالي يجولون على البيوت والمجالس والدكاكين لتعبئة الاستمارات الخاصة بالانضمام الى هذا «الحشد». تعبئة هذه الاستمارات لا تأخذ الكثير من الوقت (الاسم، العشيرة، السن، وبعض الأسئلة الشخصية الأخرى). يلقى الحزب تجاوباً من فئة كبيرة، ويسمع من فئة أخرى كلمات على وزن «لوين آخدين ولادنا والمنطقة»؟

أي نموذج يريد حزب الله استيراده من العراق الى البقاع الشمالي وتالياً الى عموم لبنان؟ 

شباب تُسلخ جلودهم ويُحرقون أحياءً ويُعبث بأشلائهم؟ اقتحام المساجد وقتل كل من يوحّد ربّه فيها (مسجد بن عمير في ديالى مثالاً)؟ تهديم المنازل على رؤوس الآمنين ونهب الممتلكات العامة والخاصة؟ هل نسي نصرالله أن خطابه الإعلامي بُني طوال سنوات على تحذير الغرب من آكلي القلوب في سوريا؟ هل نسي كيف خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى القمم العالمية ليعرب عن خشيته من إرسال وفدٍ روسي للقاء المعارضة السورية آكلة القلوب والأكباد؟!

يبرّر «حزب الله» كل جرائم الميليشيات الإيرانية، ويتعاطى إعلامه معها بمنطق «الدفاع عن العرض والدين»، فيلصق تهمة «الانتماء لداعش» بجميع أبناء العشائر العراقية، لتصبح تهمة تُبيح لأي ميليشيوي القيام بأي جريمة ضد الإنسانية في حق أي عراقي «آخر» يصادفه في الطريق.

أسقط «الحشد الشعبي» العراقي أي حديث عن التكفير والذبح وحتى عن أبو صقار آكل القلوب. الإجرام واحد، غير أنه في هذا الطرف يحظى بتبنٍ ودعم مباشرين وعلنيين من إيران وحزب الله، فيما تخوض دول الخليج، المتّهمة بالتكفير، حرباً أمنية وإعلامية ودينية ضد الإرهاب في المقلب الآخر.

يمكن المقارنة بين خطاب الإعلام الخليجي، الحريص على الوحدة الوطنية بين كافة مكونات الشعب السعودي، إثر تفجيري المسجدين في السعودية وذهاب ولي العهد بنفسه لمواساة أهالي الشهداء من جهة، والنفخ في بوق الطائفية والمذهبية في وسائل الإعلام الموالية لإيران في الشأن العراقي من جهة أخرى.

هكذا ببساطة تفكّكت مؤسسات العراق الأمنية لتحلّ مكانها ميليشيات مذهبية مدعومة إيرانياً. وهكذا يُهيّئ «حزب الله» الأرضية للعبث بـ«الكيان اللبناني» متلطياً خلف ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». هذه الثلاثية التي فرضها بقوة سلاحه ليبني تحت ستارها دويلة لا تُسأل عما تفعل. أخطر ما في كلام نصرالله الأخير، أنه يُشرعن تشكيل ميليشيا مذهبية، من رحم «ثلاثيته الذهبية»، التي يخوض اليوم تحت ستارها حروب إيران المذهبية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

الإعلان عن تأسيس «لواء القلعة» المشابه لـ«الحشد الشعبي»، يرقى الى الانفصال الكامل عن الدولة الجامعة في لبنان، والانخراط في جيل جديد من الحروب الأهلية وحروب الوكالة. حرب، يوهم فيها «حزب الله» بيئته بأن الحياة الدنيا لا تسع لها ولـ«خصومها» على أرض واحدة. فليمت نصفها أو ثلاثة أرباعها او حتى عشرات الآلاف منها ليموت معها كل الخصوم.

لكن لماذا تعلن بيئة «حزب الله» وحدها التعبئة ليُقتل نصفها أو ثلاثة أرباعها أو حتى عشرات الآلاف في الحرب مع شعوب المنطقة؟ لماذا لا تعلن إيران، طالما أنها هي صاحبة قرار الحرب والسلم، التعبئة ليُقتل نصف الإيرانيين أو ثلاثة أرباعهم أو حتى عشرات الآلاف منهم؟ لماذا يُقرّر الشيعي اللبناني (أو يُقرّر عنه)، أن يخوض هذه الحرب ضد المنطقة بأكملها؟!

يطلق حزب الله «حشده الشعبي العشائري»، بعد أن فقد الأمل باستدراج الجيش اللبناني الى حروب محوره الإلهي، ويعلن استراتيجيته الدفاعية في المنطقة بأكملها: «خذوا الثلاثية الذهبية واعطونا الحشد الشعبي»! استراتيجية من شأنها أن تزيد منسوب شلالات الدم في لبنان والمنطقة. لكن إذا كان توقيت إطلاق المعركة الداخلية بيد «حزب الله»، فإن إنهاءها هذه المرة لن يكون بيده وحده !