واهم من يظن ان التغيير يتم بانقلاب او ثورة او عمل امني او فوضى خلاقة، اي عمل من هذه الاعمال قد ينجح، ولكن نجاحه مهما طال، لا بد ان يصل يوما الى الانهيار بعمل دموي او عنفي مشابه للعمل الذي وصله الى السلطة.
التغيير الثابت، هو التغيير في صندوقة الاقتراع من ضمن عمل مدني ديموقراطي حضاري، وما جرى في العالم العربي منذ خمس سنوات، والكوارث التي حلت بعدد من الدول مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، وفي شكل اقل كارثية في تونس ومصر، دليل ساطع على ان لجوء النظام او الشعب الى العنف والقوة، للبقاء في الحكم او لاسقاط الحكم، هو خيار خاطئ لا نتيجة له سوى تعميم الدمار والخراب والفقر والموت والاحقاد والهزائم.
اذا كان الشباب اللبناني الذي يتظاهر منذ مدة في وسط بيروت، يستسهل اعتماد العنف وسيلة لنيل مطاليبه الكثيرة، وهي محقة بالكامل، ليقفز منها الى اسقاط الحكومة والنظام والبدء بثورة على غرار ما حصل في الدول الاخرى، فان البلاد كل البلاد لن تجني من ثورته هذه سوى الدماء والدموع والالام والدمار، وسيجد ذاته وقودا لحرب او فتنة او فوضى تعيد البلاد سنوات الى الوراء، ولا يحقق ما كان يناضل من اجله.
لا احد على الاطلاق، مستعد للدفاع عن الطبقة السياسة التي حكمت البلاد بمفهوم الفساد والرشوة والجريمة وادارة الظهر الى الشعب، منذ عقود، ولكن لا احد ايضا، سوى المستفيد من ثورة الشباب والطامح ان تصب نتائجها في طاحونته، على استعداد لمباركة العنف الذي يتفجر في تحركات المتظاهرين ضد قوى الامن والجيش، وهم اهل لهم وابناء واخوة. يعانون مثلهم من انعدام الكهرباء والماء والتقديمات الاجتماعية الاخرى، ومن روائح النفايات وانعدام الامن، ورواتبهم لا تكفي عائلاتهم لاكثر من عشرة ايام، وهم معرضون في اي وقت للقتل او الخطف من قبل عصابات التكفير وعصابات القتل.
قد تكون مشكلة النفايات القشة التي قصمت ظهر البعير، وقصمت ظهر الشباب واهلهم، ولكن هناك قضايا اخطر بكثير عبرت ولم يتحرك الشباب لمنعها ووقفها، كمثل فضائح الكهرباء والسدود والنفط والالتزامات وهدر الاموال، واستسلامهم امام الغاء الانتخابات النيابية والرئاسية، وسياسة التمديد والتعطيل، وهي بالتأكيد المعبر الواقعي لكارثة النفايات، حتى ان الشباب لم يتحركوا ولو من خلال تظاهرة واحدة للتضامن مع اهالي واقارب واصدقاء الجنود العسكريين الرهائن لدى التنظيمات التكفيرية الارهابية، فلماذا يتدفقون اليوم الى وسط بيروت، ويتدفق معهم حملة اليافطات والشعارات الملغومة، والمنادون بالثورة واسقاط الحكومة والنظام في وقت هو الاسوأ بتاريخ لبنان، حيث كل شيء معطل ومشلول.
اشعر ان التعقل، كي لا اقول العقل، غائب عن تظاهرات الشباب، لمصلحة الفوضى وحسابات اعداء لبنان.