IMLebanon

الشعب لا يريد إسقاط النظام

أكثر من أي وقت مضى، تتأكد مناعة النظام اللبناني. ما كتب وما قيل عن سقوطه وعن قرب نهايته، يشبه الكتابة على الماء. الدولة تتحلل والنظام يصمد. الشعب يتهالك والنظام يستتب، الدستور معطل والنظام يستقوي. التوافق معطوب والنظام يتعافى… أكثر من أي وقت مضى، يتأكد أن لا خلاص منه. لا مخيلة ولا حدس ولا إلهام ينبئ بخلاص قليل أو جزئي أو موقت. فلا جدوى من البحث عن بديل. هذا النظام، حقيقي جداً ولا أحد يريد إسقاطه، حتى ولو أسقط الوطن على قارعة النفايات.

النظام اللبناني ولادة مشكلات، وقابلة حلول. لا يعصى عليه شيء. الدستور في خدمته والميثاقية من أجله. إن شاء اعتصم بالحرف وإن رغب هتك النص والروح معاً. ان حصل التوافق تعافى، وإن استعصى انتظر على قارعة الإقليم، ليأتي الحل بلغة الأمر.

عيوبه، أفدح من أخطائه. إذا قيس بالديموقراطية، بدا قزماً، إن قورن بالقيم بدا ساقطاً. نظام فاقد للأهلية القيمية، معادٍ للمثل والعدالة والمساواة والتنمية والحماية. نظام بعيوب كثيرة، ولكن لا بد منه، ولا وجود لسواه.

الطائفية ليست إضافة إليه. هي أساسه، إن لم تكن في الأصل، أساس الكيان. تربت الطائفية فيه خلسة. نمت في غفلة عن الوعي الوطني للرواد. رأوها عالة فيما تبناها آخرون كعلة لوجود الدولة والنظام. حاول الرواد، قبل الاستقلال وبعده، تهذيب النظام وتقليم الطائفية، فشلوا في الحرب وفي السلم.

«الميثاق الوطني» وازن بين الإلتزام بالدستور وبين مراعاة الطوائف الممتازة. الحرب أهلت الطوائف بالبنادق والدماء والدمار. عند انتهاء الحرب، حاول «الطائف» تشذيب النظام، فأقر تحرير الإدارة والوظيفة من الطائفية. أبقاها لفترة في «الفئة الأولى». عبث! افترست الطائفية الدستور والقوانين، ورجّحت «الميثاقية» على النصوص. «الطائف» حاول أن يرتقي بالطائفية ويجعلها في مقام «الحكمة الوطنية» في مجلس الشيوخ، وأن يمنعها في السياسة وقوانين الانتخاب، وأن يصبح لبنان، كدستوره دولة علمانية مدنية يتساوى فيها اللبنانيون بالحقوق والواجبات، كما نصت عليها الشرائع الدولية. عبث!!! افترست الطائفية النظام.

إلى هذا النظام تنتمي الفئة الحاكمة. ما قاله الرئيس نبيه بري صحيح: الجنرال عون، ابن النظام. وعائلة النظام، تضم «الأخوة الأعداء» كلهم. بري ابن النظام وحكيمه، الحريري ابن النظام النافذ فيه، جنبلاط، ابن النظام أباً عن جد إلى الإبن، جعجع ابن النظام بقضه وقضيضه، و «حزب الله» بات «الابن الشاطر» الذي يحميه النظام ويحتمي به. فمن كان هؤلاء فيه، لا تقوى عليه قوة من بديع الكلام والأحلام.

هذا النظام، هو أفضل الأنظمة التي تناسب اللبنانيين، ولو لم يريدوا ذلك. أي محاولة لتطبيق نص الدستور الواضح، من دون توافق أهل النظام، تجر إلى خراب لبنان. البلد لا يحكم بالدستور ولا بالقوانين، بل بالتوافق. ومضمون التوافق، احترام حصة كل فريق وعدم الاستئثار… ما يطالب به عون، هو من صلب النظام. يريد حصة في الإدارة والقرار توازي حجمه التمثيلي.

هذا النظام عبقري جداً. استطاع أن يجد صيغة فذة للمقاومة.. بواسطته تعيش المقاومة والدولة معاً. كيف؟ تلك من معجزات النظام! استطاع النظام أن ينأى بنفسه عن الصراع في سوريا، تاركاً لمكوناته الاشتراك فيها بما أوتوا من سلاح وإعلام ومال. تلك من معجزات النظام! ومعجزاته عديدة. منها استغناؤه عن رئاسة الجمهورية، اكتفاؤه بمجلس وزاري لا يحكم، اقفاله لأبواب مجلس النواب، والاستعاضة بالتمديد حيث تدعو المصلحة وليس الحاجة… نظام بنواة صلبة، وأذرع رخوة، تصافح القوى الست السيدة في لبنان. وبهذا ينجو البلد من الكسر والانفجار… أي صيغة أخرى تأخذ لبنان إلى انكسار النظام وسقوط الدولة في العنف. ولأن النظام رخو وبلا أخلاق، صار ممكناً تشريع الخوة وقوننة الرشوة.

فهل من ديوجين ما في هذه العتمة؟ هل من يخون هذا النظام خيانة خلاقة يستحق عليها لقب شهيد؟

أسئلة غير واقعية وفي غير مكانها. النظام باق بسبب نجاحاته الفادحة، وأفدح ما بلغه اللبنانيون، أنهم باتوا، بأكثريتهم المغلوبة، على قناعة بأن بقاء النظام، أفضل من المجهول. وعليه، سنتابع هذا النظام حتى نهايتنا.