Site icon IMLebanon

الناس أولاً …

أدى الحراك المدني المطلبي الى تحريك الوضع على الساحة اللبنانية، على قاعدة ان اللبنانيين الذين كانوا يغطون في سبات عميق مدى سنوات طويلة ربما نسوا أو تناسوا أن الصراع الكبير في البلد بين خيارين لا يلتقيان، لا يعني بالضرورة ان يموت الناس جوعا، ولا أن يغرقوا تحت أطنان من النفايات من دون حل، لا يجوز أن يكون موضع خلافات بين القوى الكبرى. بناء عليه، دفع الحراك المدني القيادات السياسية الى التفكير جديا في أن تأجيل الخلافات الكبرى التي تعني مصير لبنان، لا يجوز أن ينسحب على قضايا الناس الحياتية، وبالتالي فإن من واجبات المسؤولين الى أي فئة انتموا أن يميّزوا بين القضايا الخلافية الكبرى التي لا حل لها راهناً، والمسألة الحياتية التي تمس لقمة الخبز والحد الادنى من المستوى المعيشي المطلوب في لبنان.

هذا الكلام هو دعوة الى جميع المسؤولين الحكوميين ومرجعياتهم للالتفات الى حاجات الناس الاساسية، والاستماع الى صرخات الناس وغضبهم من سوء ادارة شؤونهم اليومية والحياتية. أما الصراع الاكبر فيظل بنظرنا الاساس، على قاعدة ألا يموت الناس وهم في انتظار الحلول الكبرى في لبنان والمنطقة.

في المقابل نودّ أن نذكّر القيمين على الحراك المدني ببعض الاساسيات التي تحكم الامور في لبنان، وأولها أن في لبنان صراعا كبيرا يتعدى الاطار الذي انطلقوا منه، أكان أزمة النفايات، أم آفة الفساد المستشري، وهذا الصراع محلي – اقليمي واسع وممتد في الزمان والمكان، وهو الحد المقرر في مستقبل البلاد باعتبار لبنان جزءاً، ويا للأـسف، من مسرح الصراع الاقليمي الكبير بين النظام العربي والمشروع الايراني. العراق جزء من المسرح، ومثله سوريا واليمن، ولبنان لا يشذ عن القاعدة، وان كان شهد منذ تشكيل الحكومة الحالية مرحلة “تهدئة” استندت الى تفاهمات اقليمية أمّنت لها مظلة. وللتذكير هنا، فإن الحكومة الحالية عكست رغبة في تحييد لبنان الداخل عن انفجار شامل، من دون أن يلغي عمق الخلاف حول طبيعة البلد ودوره وموقعه ومستقبله. هذا الخلاف، لا بل التضاد، لا يزال قائماً أكثر من أي وقت مضى، وإن يكن انتباه الناس تحوّل صوب الحراك المدني في الشهرين الماضيين.

في اختصار، ان الصراع العميق بين خطين متعارضين في البلد قائم، ومع ذلك فإن اخفاق الطرفين الكبيرين في التعامل مع الحد الادنى من حاجات الناس ومطالبهم لا عذر له. لقد قامت “حكومة الأضداد” على أساس متابعة شؤون الناس الحياتية واليومية ومعالجتها، وتحييدها عن الصراع الكبير. ولذلك على الحكومة الحالية ومرجعياتها وقبل سقوط “التهدئة” الالتفات اكثر الى قضايا الناس، والتخلص من تخبّطها المحزن. إن الفريقين الكبيرين مطالبان بالالتفات الى الناس لأن لا السلاح يطعم الجياع، ولا السيادة والاستقلال تروي العطشى! أما الحلول الكبرى فبعيدة المنال.