… أما وقد انتهى المؤتمر المسيحي في واشنطن الى ما انتهى اليه، فلا بد من قراءة ما خلّف من ملامح ووقائع:
تسمية المؤتمر بـ”مؤتمر الدفاع عن مسيحيّي الشرق” ينزع عمّن تعنيهم ، انتماءاتهم الوطنية، ويصنفهم طائفياً، ويظهرهم “أيتاماً”، في أرضهم وبين أهلهم.
تفرض هذه التسمية الظن بأن الآخرين في المنطقة هم، جميعاً، وبلا استثناء، الخطر المحدق بالمسيحيين.
يقسّم المؤتمر، بمدلولات تسميته، شعوب المنطقة دينياً، بين مسيحيين وغير مسيحيين، أي مسلمين: الأولون ضحايا، والآخرون قتلة، وفي المطلق.
يوحي المؤتمر بتسميته وفعالياته، ان المسيحيين في الشرق جالية أجنبية غريبة عنه، كأنه يتبنى، ضمناً، تعامل “داعش” وامثالها معهم، ما يبرر دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مسيحيّي العراق للجوء الى فرنسا. كأنهم ضيوف في أوطانهم، ومصيرهم الرحيل عنها عاجلاً ام آجلاً.
قالت مشاركة النائب الاميركي تيد كروز، واعطاؤه حق مخاطبة حضور العشاء، إن هدف منظّمي المؤتمر العميق، هو تحالف الاقليات في المنطقة بزعامة اسرائيل. فميول كروز الصهيونية معروفة لدى المراقبين، وبينهم من نظّم المؤتمر وموّله، ومنهم صاحب نظرية البدء بـ”سلام اقتصادي نفطي” بين اسرائيل والعرب، تحديداً سوريا ولبنان، كما كتب في جريدة لبنانية قبل سنوات.
الفضيحة الكبرى ليست من نصيب المنظمين أو المشاركين. هي فضيحة الغائبين، الذين على عاتقهم مسؤولية تطمين “الأقليات” الى انها ليست جالية من الرحّل، بل هي في صلب أوطانها.
هي فضيحة “القيادات العربية” من سياسية وثقافية ودينية، والتي لم تبد قلقاً، ولم تبادر الى موقف قومي شامل يرفض التمييز الديني الذي ينظر به الغرب الى ارتكابات “داعش” واخواتها، فيرى المعصية في التنكيل بالمسيحيين والايزيديين والصابئة والاكراد والكاكائيين، ولا يستهول نحر 700 مسلم من قبيلة واحدة ودفعة واحدة وفي آن واحد.
من الملامح، التي خلّفها خطاب كروز في العشاء، ان اسرائيل حاضرة لتنافس الغرب، عموما، أو لتتواطأ معه، على اعطاء هذه الأقليات هوية قومية جديدة، تتزعمها، هي تحالف الاقليات، ليخدم يهوديتها وعنصريتها ويموّهها.
خلافاً للمشهد الظاهر، فان ايران ايضاً المشغولة بالنووي، لم تغب عن المؤتمر: فقد تدفقت على شاشات التلفزة افلام وثائقية، وتحقيقات مصورة عن رغد عيش مزعوم ينعم فيه المسيحيون واليهود وغيرهم من الاقليات لديها، مع تجاهل تام للتضييقات الفعلية التي يعانون منها، كأنها ترشح نفسها، أيضاً، لـ”حماية الاقليات”.
العزاء ان العرب اعتادوا التقصير في حق أنفسهم ومصالحهم، واعتادوا أن يوقظهم الغرب عليها، ليعمق شراكته في قرارهم، فبدل أن يبادروا الى تحالف يواجه “داعش” ويدعون الآخرين اليه والى دعمه، انتظروا ان يدعوهم الأميركي الى “حفل” مواجهتها.