بدلاً من “صبحية” لطيفة على فنجان قهوة لا يفرغ ومن الإصغاء إلى “ثرثرة” حسون يناجي عشيقته في قفص الحب أو التمتع بصوت فيروز، ينهض اللبناني من سريره لابساً وجهه بالمقلوب. يقعد على البلكون بالبيجاما المقلّمة وأمامه حرمه المكتملة العبوس. يتناول سيكارة سيدرز، يشعلها. ينفخ الدخان بوجه عقيلته. يتنهد من “صماصيم” قلبه وهو يشفط أول مجة، ويتبعها بزفرة حرّى تختصر هموم البشرية ويسأل سؤالاً وجودياً عميقاً “عم يقولوا الأزمة مطولة. عبّيتي مبارح بنزين يا مرا؟”.
تجيب الزوجة بلؤم معطوف على كراهية: “من وين يا رجوتي بدي عبّي؟ من بحر البلطيق؟”. فينتقل الزوج إلى موضوع أشد إيلاماً: “عم يقولوا إضراب الأفران مطوّل، وأنا ما بقدر عيش عالكعك يا مرا. ليش ما بتعجني ومنخبز على الصاج؟”.
– يخبزوك بفرن “بلاطتو بتشوي الحديدي”، على حدّ قول موسى زغيب. عالصاج قلت لي؟ شو رأيك عالتنّور مش أطيب؟
وفي هذا المناخ الإيجابي المفعم بالإحباط، حاول هذا اللبناني الفخور بصموده ومقاومته الإقتصادية أن يفتح حديثاً شيقاً مع السيدة الرابخة بثقلها أمامه، “عم يقولوا يا مرا الدولار رح ينط عن التلات آلاف… أنا بقول ما بيوصل”. فكان رد الزوجة محكماً “بلا ما تقول شي قوم نط جيب كيلو شمع لأنو عم يقولوا ما في مازوت بخزانات طرابلس وما في غاز عالدورة وما في فيول بالجيّة وما في شي… يقلعك ويقلع هالعيشة. بكرا راجعة على كندا”.
بس عم يقولوا المطار مسكّر! علق الزوج المتأبط قلقه.
ما سبق نموذج عن كلام الناس وهمومهم الصغيرة، ومنهم من لم يكتفِ بالنق بل انتقل إلى خطة الطوارئ وباشر، بناء على خبرة، بإعداد الإحتياط الاستراتيجي لمواجهة تداعيات قلب الطاولة على الجميع ويضم: علبة الصيغة (غير الصيغة اللبنانية الفذة) غالون كاز للبابور. مرتديلا مالنغ. كروسان تبغ LM. بطاريات، ورق شدّة، حرامات الإعاشة المحفوظة بصندوق ذخيرة. مروحة. بزر زغير. كاتول. أدوية. حليب. غالونات مي. علبة كبريت. شاحن للموبايل. ومجموعة مختارة من مجلات “لولو وطبّوش”.
وعلى سبيل التدابير الإحترازية يفضّل الإنتقال إلى الأماكن البعيدة عن مجاري الأنهار لأن تياراً جارفاً قد يطيح بكل شيء أمامه في فورة غضب. فزيحوا من طريقه وعسى أن يعود رئيس التيار إلى رشده أو يعود رشده إليه.