الشعار الذي رفعه المتظاهرون في ساحات بيروت في اليومين الأخيرين “التغيير ممكن والمبادرة واجبة”، أعادني الى افتتاحية جبران تويني عام 1993 في العدد الأول من “نهار الشباب” بعنوان “استفق وتكلم”، وجاء فيها: “حان وقت استفاقة أحلام جيل بكامله، جيل اغتيلت حماسته ونُسفت مشاريعه. جيل يعتبر أن لا علاقة له اليوم بكل ما يحصل باسم الحاضر أو المستقبل. جيل قرّر أن يرسم خطاً بينه وبين هذا الواقع الزائف المفتعل، المنبثق من تكهّنات وتصوّرات بعيدة كل البعد من واقع ما يسمى الإرادة الشعبية! فهل صحيح أن شعب لبنان لم يعد هذا الشعب الحيّ المتحدّي الموت في كل لحظة؟ هل صحيح أن لبنان أصبح وطناً شعبه من الماضي، ومحكوم عليه أن يبقى من الماضي؟ كلا!”.
كلا وألف كلا. الشعب اللبناني نزل أمس على رغم السياسيين الذين يعتبرون أنهم لا يزالون ممسكين بزمام الأمور وبرقاب العباد، نزل ثائراً ورافضاً لواقع مرير يتحمّل مسؤوليته سياسيون “توافقوا” في ما بينهم على اقتسام المغانم دونما اعتبار لمصالح الناس. فمنذ 25 سنة، أي بعد الحرب، واللبنانيون غارقون في ظلمة تشمل كل نواحي حياتهم. ولعل الرئيس تمّام سلام عبَّر بطريقة جريئة عندما تحدث عن “النفايات السياسية”.
صحيح أن عدداً من المتظاهرين، وبعضهم مندس ومعروف، خرج عن الادب واللياقة في التعبير، وعن المقبول في التعامل مع القوى الأمنية، لكن هذا الواقع المؤسف يعبر بدقة عن الحال المأسوية التي بلغها اللبنانيون الغارقون في النفايات منذ أكثر من شهر نتيجة الصراع السياسي، وهم يعانون شغوراً رئاسياً يعود الى سنة وثلاثة أشهر بسبب تعنّت البعض، وتعطيلاً حكومياً منذ ثلاثة أشهر يفرضه البعض لطموحات شخصية. هذا الواقع بلغ كل منزل وكل عائلة ولم يعد ممكناً ضبطه من دون محاسبة الطبقة السياسية.
كتب جبران عام 1999 أنه “حان الوقت لننتقل من حالة المزرعة التي أوصلتنا الى ما وصلنا اليه لنبني دولة حضارية، دولة قانون على مستوى أحلام الجيل الجديد… دولة شفافة تماماً كشفافية أحلام شباب لبنان، دولة حضارية، صلبة، عادلة، لا مكان فيها لسارق ولا لقاتل. تعالوا نقم بدورنا كشعب حرّ، حي، ديموقراطي حتى أعماق أعماقه، تعالوا نحاسب مَنْ يجب محاسبته”.